موت العزِّ

كتب الله تعالى الموت والفناء على كلّ مخلوق، سواء كان إنساناً أو ملكاً أو جِنّاً أو حيواناً أو غير ذلك، قال عزَّ من قائل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[1]، وقال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام)[2]، وهذا الأمر مجمع عليه من قِبل كلّ البشر، حتى الذي ينكر الوجود الإلهي، فهو مسلّم بأنّ الموت قد كُتب على الإنسان وعلى كلّ مخلوق، وأنّه لا بدّ من تلبية نداء الموت وإجابة دعوته، لكن الذي يتميّز من إنسان لآخر أو من شعب لشعب آخر هو طريقة الموت، وهل أنّها بسبب طبيعي أو بغير سبب طبيعي؟ وهل هو بإرادة الإنسان أو بغير إرادته؟ فبعض الشعوب لا يحبذون الموت بسبب مرض أو حادث معيّن، وإنّما يحبون أن يموتوا أعزةً وشامخين بمعركة أو قتال، فقد جاء عن قبائل البوندو (وهي قبائل تعيش في ولاية أوريسا في الهند) أنّه من العار أن يموت الرجل من البوندو جرّاء مرضٍ أو حادث، ولكن لا بدّ عليه أن يموت خلال معركة، وهذا الأمر إن دلّ على شيء فإنّما يدل على أنّهم لا يرغبون بمغادرة عالم الدنيا إلّا بشجاعة وإقدام وعزّة بغض عن دينهم وانتمائهم، وهذا الأمر له جذور إسلامية، وقد ندب إليه الإسلام كثيراً، شريطة أن يكون ذلك القتال أو المعركة في سبيل الله وطاعته، قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[3]، وقال تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)[4].

وحسبك ما جاء على لسان بطل الإسلام الأوحد وصاحب السيف الصّارم أمير المؤمنين وسيد الموحدين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ عَلَى الرَّأْسِ أَيْسَرُ مِنْ مَوْتٍ عَلَى فِرَاشٍ»[5]، وهنا تتجلّى النفس الشجاعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وحبِّه للإقدام على أن يلقى الله تعالى بأسمى غاية الجود وهي النفس.

مجلة ولاء الشباب العدد (56)

 


[1] العنكبوت: آية 57.

[2] الرحمن: آية 26-27.

[3] البقرة: آية190.

[4] النساء: آية 95.

[5] الإرشاد، المفضل: ج1، ص238.