تحاول جميع الدول والأنظمة القضاء على ظاهرة التسوّل، لأنّها حالة مستهجنة، لا سيما من القادرين على التكسب والعمل بكرامة بأن يتخذها مهنة وطريقاً لكسب المال، ولا تخلو دولة أو مجتمع من هذه الظاهرة، حتى في الدول المتقدّمة نلاحظ المتسوّلين يفترشون الشوارع، وهذا ليس بالأمر الغريب، لكن الغريب وجود مدارس لهذه الظاهرة تخرّج المتسولين وتعدّهم لهذه المهمّة!!، هذا ما حدث في الهند، مدرسة تَفتَح أبوابها لتعليم الأطفال الفقراء فنّ التسوّل.
تقع هذه المدرسة في قرية تسمى (غولغوليا) بولاية (اترانشال) الهندية، فيرسل أهالي هذه القرية أطفالهم إلى المدرسة لا لتعلم القراءة والكتابة والعلوم الأخرى، بل يتلقون فيها دروساً في (أصول التسوّل)، وأبناء هذه القرية معتادون على مهنة التسوّل، فهم يمتهنونها أبَاً عن جَدّ، ولأربعة أجيال متتالية، وهم يدرّبون أطفالهم عليها جيلا بعد جيل، والحكومة مطّلعة على ذلك وتَعِدُهم بتحسين أوضاعهم ولكنْ من دون جدوى، فلا تحسّن معيشي ولا اجتماعي، فلا أحد يكترث لمعاناتهم.
وفي المدرسة يخضع التلاميذ لتدريبات يومية على فنّ الاستجداء، فيتعلّمون فيها الحركات والألفاظ وتغيّر قسمات الوجه لاستعطاف الآخرين، ويُرسَلون بعدها إلى أماكن محدّدة لممارسة المهنة، والغالب منهم استهداف القرى المجاورة لأجل التسوّل فيها، لتقويم معيشتهم وذويهم، وما يلاحظ أن بعض تلاميذ هذه المدرسة يَوَدّون الذهاب لمدارس حقيقية ينهلون منها العلم والمعرفة لتحقيق أحلامهم، وتحسين حياتهم الاجتماعية، فبسبب ضعف الدخل وعدم استجابة السلطات المحلّية لمطالبهم وإعانتهم على كسب لقمة العيش بطرق تحفظ كرامتهم وإنسانيتهم، يمتهن أبناء هذه القرية التسوّل، ونلاحظ المتسوّلين في بعض المدن المكتظّة يقفون في طابور منتظَم، أمام مطعم معين، فيأتي مرتادوا المطعم فيطعموا معهم عدداً معيّناً، وهو مدعاة للتكافل والتآخي، وحالة أخرى تدعوا للتأمّل والتفكّر في نهجهم لنظام غريب، ألا وهو عند اصطفاف المتسوّلين لغرض الاستجداء في مكان ما، وبعد حصول مَنْ في المقدّمة على صدقة من شخص ما، يصبح في مؤخرة الطابور ليأخذ غيره مكانه وهكذا دواليك، وإلى الآن لم ينجح أي نظام في العالم لمعالجة ظاهرة التسوّل.
مجلة ولاء الشباب العدد (26)