إنّ من أغرب الجماعات الدينية المعاصرة في وقتنا الراهن هي مَنْ تعيش في أكثر الدول تقدماً في العالم، ولكنها تحيا وكأنها في عصور غابرة مضت، إنها جماعة (الآميش Amish)، والتي تنتشر في خمس وعشرين ولاية أمريكية، ويُقدّر عددها بنحو ربع مليون نسمة، وقد وفدت هذه الطائفة من مناطق أوربا الغربية، وعلى العموم هي حركة دينية ظهرت في القرون الوسطى، سمّوا أنفسهم (النصارى الجدد)، ويستلهمون حياتهم من الإنجيل، ونالت الحركة في بداياتها التكفير والاضطهاد والقتل من قبل الطوائف الأخرى؛ فهاجر الكثير من أفرادها إلى أمريكا خوفاً على حياتهم ومعتقدهم، وأما ثقافتهم فهي حافلة بالكثير من التقاليد المخالفة للعقيدة النصرانية، فإيمانهم بتعميد الشخص وتطهيره روحياً يتم في مرحلة رشده وليس في طفولته كما هو الدارج في جميع الطوائف المسيحية، فهو يعطي الفرد في نظرهم حرية الاختيار من خلال طقوس يسمونها، (رومزبرنكَا rumspringa) وتعني العيش في المحيط الخارجي للطائفة، وبناءً عليها فللشخص الحرية فيما لو بلغ السادسة عشرة من عمره أنْ يجرّب الحياة الطبيعية الأمريكية، أي يحق له استخدام الكهرباء، ومشاهدة التلفزيون، وسماع الموسيقى، وكذلك للأسف تكوين العلاقات الغير الشرعية، وشرب الكحول، وهذه الطقوس يمكن أن تدوم أسبوعاً واحدا، كنوع من المساحة الشخصية للفرد، ويمكن أن تدوم أكثر من ذلك تبعا لقرار الشخص، والعودة بعد ذلك ملتزما بتعاليم الآميش التقشفية، وعند عدم رغبة الشخص في العودة لهم عليه ترك الطائفة وإسرته لغير رجعة، ففي معتقدهم أن روحه قد ضاعت للأبد، ومن سمات هذه الطائفة، أن لهم مجلساً شورى يسمى (أولد أوردر old order) وهم مجموعة من كبار السن، يبتّون في أي طارىء يواجه مجتمعهم، وهم ضد استخدام المنتجات والأجهزة المعاصرة؛ فلا يستخدمون الكهرباء، ولا السيارات، ولا الهاتف، فضلاً عن الإنترنت، والقنوات الفضائية، نعم يمكن استخدامها عند الضرورة القصوى في حالة المرض والحريق ونحوه، وبعيدا عن ترف الحياة يستعملون الأواني الفخارية لتبريد الماء، ويركبون العربات التي تجرها الخيول، ويستخدمون الحيوانات في حراثة الأرض، وفضلاتها كسماد للتربة، ولهم فضائل عِدّة مشابهة لتعاليم الإسلام كتحريم الموسيقى، والخمور، والزنا، وسفور المرأة، ومعاقبة الزوجة بالهجر، ولبس المرأة ثوبا ساتراً فضفاضاً، وتقاليد أخرى كتغطية شعر رأس المرأة بوشاح أبيض إن هي متزوجة، ووشاح أسود إن كانت عزباء، وللبنت حقٌ في الدراسةِ إلإبتدائيةِ فقط، والشاب عندهم إذا تزوج أطلق لحيته، ويُحرم إلتقاط الصور والتأمين على الحياة والممتلكات والتكافل الإجتماعي يُغني عن ذلك، وسمات سلبية كتحريم وسائل الرفاهية المعاصرة، (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ)[1]، وإباحة عامّة المحرمات في فترة (الرومزبرنكَا)، وكذا العيش في عزلة متقوقعين ومبتعدين عن الناس وعن الطوائف الأخرى.
مجلة ولاء الشباب العدد (7)