مسألة 172: كما يجب الوفاء بالعقد اللازم يجب الوفاء بالشرط المجعول فيه، بل يجب الوفاء بالشرط المجعول في العقد الجائز ما دام العقد باقياً، فإذا باع فرساً بثمن معيّن واشترط على المشتري أن يخيط له ثوبه استحقّ على المشتري الخياطة بالشرط، فتجب عليه خياطة ثوب البائع، وكذا لو أعاره كتاباً لمدّة شهر مثلاً واشترط عليه أن يقرأ الفاتحة لروح والده في كلّ يوم منه لزمه العمل بالشرط وقراءة الفاتحة في كلّ يوم ما لم يرجع العارية.
ويشترط في وجوب الوفاء بالشرط أُمور :
منها: أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة، بأن لا يكون محلّلاً لحرام أو محرّماً لحلال، والمراد بالأوّل ما يشمل ارتكاب محرّم كأن يشرب الخمر، أو ترك واجب كأن يفطر في شهر رمضان، أو الإخلال بشرط وجوديّ أو عدميّ في متعلّقات الأحكام أو موضوعاتها كأن يأتي بالصلاة في أجزاء السباع أو ينكح نكاح الشغار أو يطلّق زوجته طلاقاً بدعيّاً، ومنه اشتراط وقوع أمر على نحو شرط النتيجة في مورد عدم جوازه كاشتراط أن تكون زوجته مطلّقة أو أن لا يرث منه ورثته أو بعضهم وأمثال ذلك.
والمراد بالثاني تحريم ما حلّ عنه عقدة الحظر في الكتاب والسنّة ممّا كان محظوراً في الشرائع السابقة أو العادات المنحرفة، فيكون الشرط مقتضياً لإحياء ذلك الحكم المنسوخ كاشتراط عدم أكل البحيرة أو السائبة ونحوهما، وبعبارة جامعة يعتبر في الشرط أن لا يكون هدماً لما بناه الإسلام تشريعاً ولا بناءً لما هدمه الإسلام كذلك.
ومنها: أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد، كما إذا باعه بشرط أن لا يكون له ثمن أو آجره الدار بشرط أن لا تكون لها أجرة.
ومنها: أن يكون مذكوراً في ضمن العقد صريحاً أو ضمناً، كما إذا قامت القرينة على كون العقد مبنيّاً عليه ومقيّداً به، إمّا لذكره قبل العقد أو لأجل التفاهم العرفيّ، مثل اشتراط التسليم حال استحقاق التسليم، فلو ذكر قبل العقد ولم يكن العقد مبنيّاً عليه عمداً أو سهواً لم يجب الوفاء به.
ومنها: أن يكون متعلّق الشرط محتمل الحصول عند العقد، فلو كانا عالمين بعدم التمكّن منه، كأن كان عملاً ممتنعاً في حدّ ذاته أو لا يتمكّن المشروط عليه من إنجازه بطل ولا يترتّب على تخلّفه الخيار، وأمّا لو اعتقد التمكّن منه ثُمَّ بان العجز عنه من أوّل الأمر أو تجدّد العجز بعد العقد صحّ الشرط وثبت الخيار للمشروط له، وكذا الحال لو اعتقد المشروط عليه التمكّن منه دون المشروط له ثُمَّ بان العجز، وأمّا لو اعتقد المشروط عليه العجز والمشروط له التمكّن ففي صحّته وترتّب الأثر عليه إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.
ومنها: أن لا يكون متعلّق الشرط أمراً مهملاً لا تحديد له في الواقع، كاشتراط الخيار له مدّة مهملة، فإنّ في مثله يلغو الشرط ويصحّ البيع كما مرّ في شرط الخيار، وأمّا إذا كان متعلّق الشرط متعيّناً في الواقع وإن لم يكن معلوماً لدى الطرفين أو أحدهما فإن استتبع ذلك جهالة أحد العوضين - كما لو باع كلّيّاً في الذمّة بشرط أن يكون واجداً للأوصاف المسجّلة في القائمة الكذائيّة الغائبة حين البيع - بطل البيع والشرط معاً، وإلّا - كما إذا باعه واشترط أن يصلّي عمّا فات من والده ولم يعيّنه وكان مردّداً بين صلاة سنة وسنتين مثلاً - ففي صحّة كلٍّ من البيع والشرط إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في مثله.
مسألة 173: لا بأس بأن يبيع ماله ويشترط على المشتري بيعه منه ثانياً ولو بعد حين، نعم لا يجوز ذلك فيما إذا باعه نسيئة واشترط على المشتري أن يبيعه نقداً بأقلّ ممّا اشتراه، أو اشترط المشتري على البائع بأن يشتريه نسيئة بأكثر ممّا باعه نقداً، فالبيع مشروطاً بأحد النحوين محكوم بالبطلان.
مسألة 174: لا يعتبر في صحّة الشرط أن يكون منجّزاً بل يجوز فيه التعليق، كما إذا باع داره وشرط على المشتري أن يكون له السكنى فيها شهراً إذا لم يسافر، أو باعه العين الشخصيّة بشرط أن تكون ذات صفة كذائيّة، فإنّ مرجعه إلى اشتراط الخيار لنفسه على تقدير التخلّف ولا إشكال فيه.
مسألة 175: إنّ فساد الشرط لا يسري إلى العقد المشروط فيه إلّا إذا أوجب فقدان بعض شرائطه كما مرّ، وفي غير ذلك يصحّ العقد ويلغو الشرط، ومع ذلك يثبت الخيار للمشروط له من جهة التخلّف عنه.
مسألة 176: إذا امتنع المشروط عليه من فعل الشرط جاز للمشروط له إجباره عليه ولو باللُّجُوء إلى الحاكم أيّاً كان، ولكن خياره غير مشروط بتعذّر إجباره على العمل بالشرط، بل له الخيار عند مخالفته وعدم إتيانه بما اشترط عليه حتّى مع التمكّن من الإجبار .
مسألة 177: إذا لم يتمكّن المشروط عليه من فعل الشرط كان للمشروط له الخيار في الفسخ، وليس له المطالبة بقيمة الشرط، سواء كان عدم التمكّن لقصور فيه - كما لو اشترط عليه صوم يوم فمرض فيه - أو كان لفوات موضوع الشرط - كما لو اشترط عليه خياطة ثوب فتلف الثوب - وفي الجميع له الخيار لا غير.