إذا باع بأقلّ من قيمة المثل ثبت له الخيار، وكذا إذا اشترى بأكثر من قيمة المثل، وتعتبر الأقلّيّة والأكثريّة مع ملاحظة ما انضمّ إليه من الشرط، ولا يثبت هذا الخيار للمغبون إذا كان عالماً بالحال أو مُقْدِماً على المعاملة من غير اكتراث بأن لا يكون ما انتقل إليه أقلّ قيمة ممّا انتقل عنه.
مسألة 133: يشترط في ثبوت الخيار للمغبون أن يكون التفاوت موجباً للغبن عرفاً، بأن يكون مقداراً لا يتسامح به عند غالب الناس، فلو كان جزئيّاً غير معتدّ به لقلّته لم يوجب الخيار، وحدّه بعضهم بالثلث وآخر بالربع وثالث بالخمس، ولا يبعد اختلاف المعاملات في ذلك، فالمعاملات التجاريّة المبنيّة على المماكسة الشديدة يكفي في صدق الغبن فيها العشر بل نصف العشر، وأمّا المعاملات العاديّة - ولا سيّما في الأشياء اليسيرة - فقد لا يكفي فيها ذلك، والمدار على ما عرفت من عدم المسامحة الغالبيّة.
مسألة 134: هذا الخيار يثبت من حين العقد لا من حين ظهور الغبن، فلو فسخ قبل ظهور الغبن صحّ فسخه مع ثبوت الغبن واقعاً.
مسألة 135: ثبوت هذا الخيار إنّما هو بمناط الشرط الارتكازيّ في العرف العامّ، فلو فرض كون المرتكز في عرف خاصّ - في بعض أنحاء المعاملات أو مطلقاً - هو اشتراط حقّ استرداد ما به التفاوت وعلى تقدير عدمه ثبوت الخيار يكون هذا المرتكز الخاصّ هو المُتَّبع في مورده، وأمّا في غيره فالمُتَّبع هو المرتكز العامّ من ثبوت حقّ الفسخ ابتداءً فليس للمغبون مطالبة الغابن بالتفاوت وترك الفسخ، ولو بذل له الغابن التفاوت لم يجب عليه القبول بل يتخيّر بين فسخ البيع من أصله وإمضائه بتمام الثمن المسمّى، نعم لو تصالحا على إسقاط الخيار بمال صحّ الصلح وسقط الخيار، ووجب على الغابن دفع عوض المصالحة.
مسألة 136: يسقط الخيار المذكور بأُمور :
الأوّل: إسقاطه بعد العقد وإن كان قبل ظهور الغبن، ولو أسقطه بزعم كون التفاوت فاحشاً فتبيّن كونه أفحش، فإن كان الإسقاط معلّقاً لبّاً على كون التفاوت فاحشاً - كما لعلّه الغالب - بطل الإسقاط، وإن لم يكن معلّقاً عليه بل كان هو من قبيل الداعي له صحّ، وكذا الحال لو صالحه عليه بمال.
الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد، وإذا اشترط سقوطه بزعم كونه فاحشاً فتبيّن أنّه أفحش جرى فيه التفصيل السابق.
الثالث: تصرّف المغبون - بائعاً كان أو مشترياً فيما انتقل إليه - تصرّفاً يدلّ على الالتزام بالعقد، هذا إذا كان بعد العلم بالغبن، أمّا لو كان قبله فإن كان دالّاً على الالتزام بالعقد يسقط الخيار أيضاً، وأمّا إذا لم يكن دالّاً عليه - كما هو الغالب في التصرّف حال الجهل بالغبن - فلا يسقط الخيار به ولو كان متلفاً للعين أو مخرجاً لها عن الملك.
مسألة 137: إذا ظهر الغبن للبائع المغبون ففسخ البيع فإن كان المبيع موجوداً عند المشتري استردّه منه، وإن كان تالفاً بفعله أو بغير فعله رجع بمثله إن كان مثليّاً وبقيمته إن كان قيميّاً، وإن وجده معيباً بفعله أو بغير فعله أخذه مع أرش العيب، وإن وجده خارجاً عن ملك المشتري - بأن نقله إلى غيره بعقد لازم كالبيع والهبة المعوّضة أو لذي الرحم - كان بحكم التالف فيرجع عليه بالمثل أو القيمة، وليس له إلزام المشتري بإرجاع العين بشرائها أو استيهابها، وهكذا الحكم لو نقلهــا بعقــد جائز - كالهبة والبيع بخيار - فلا يجب عليه الفسخ وإرجاع العين، بل لو اتّفق رجوع العين إليه بإقالة أو شراء أو ميراث أو غير ذلك بعد دفع البدل من المثل أو القيمة لم يجب عليه دفعها إلى المغبون.
نعم لو كان رجوع العين إليه قبل دفع البدل وجب إرجاعها إليه، وأولى منه في ذلك لو كان رجوعها إليه قبل فسخ المغبون، بلا فرق بين أن يكون الرجوع بفسخ العقد السابق وأن يكون بعقد جديد، فإنّه يجب عليه دفع العين نفسها إلى الفاسخ المغبون ولا يجتزأ بدفع البدل من المثل أو القيمة، وإذا كانت العين باقية عند المشتري حين فسخ البائع المغبون لكنّه قد نقل منفعتها إلى غيره بعقد لازم - كالإجارة اللازمة - أو جائز - كالإجارة المشروط فيها الخيار - لم يجب عليه الفسخ أو الاستقالة مع إمكانها، بل يدفع العين وأرش النقصان الحاصل بكون العين مسلوبة المنفعة مدّة الإجارة.
مسألة 138: إذ فسخ البائع المغبون وكان المشتري قد تصرّف في المبيع تصرّفاً مغيّراً له، فإمّا أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج بغيره، فإن كان بالنقيصة أخذ البائع من المشتري المبيع وبدل التالف، بالإضافة إلى أرش النقيصة الحاصلة من زوال الهيئة الاجتماعيّة إذا كان لها دخل في زيادة القيمة وكان التالف قيميّاً أو مثليّاً متعذّراً بحيث لا يتدارك تمام النقص بدفع قيمة التالف فقط.
وإن كان بالزيادة فإمّا أن تكون الزيادة صفة محضة كطحن الحنطة وصياغة الفضّة وقصارة الثوب، وإمّا أن تكون صفة مشوبة بالعين كصبغ الثوب، وإمّا أن تكون عيناً غير قابلة للفصل كسِمَنِ الحيوان ونموّ الشجرة، أو قابلة للفصل كالثمرة والبناء والغرس والزرع.
فإن كانت صفة محضة أو صفة مشوبة بالعين، فإن لم توجب زيادة قيمة العين فالمبيع للبائع ولا شـيء للمشتري، وإلّا اشترك الغابن مع المغبون في الماليّة الثابتة للمبيع بلحاظ تلك الصفة الكماليّة، بلا فرق في ذلك بين أن يكون وجود تلك الصفة بفعل الغابن أو لا، كما إذا اشترى منه عصا عوجاء فاعتدلت، أو خلّاً قليل الحُمُوضة فزادت حموضته، وهكذا الحال فيما إذا كانت الزيادة عينيّة غير قابلة للانفصال كسِمَنِ الحيوان ونموّ الشجرة.
وأمّا إن كانت قابلة للانفصال كالصوف واللبن والشعر والثمر والبناء والزرع كانت الزيادة للمشتري، وحينئذٍ فإن لم يلزم من فصل الزيادة حال الفسخ ضرر على المشتري كان للبائع إلزام المشتري بفصلها حينه كاللبن والثمر، بل له ذلك وإن لزم الضرر على المشتري من فصلها، ولكن يحتمل حينئذٍ أن يكون ضامناً للضرر الوارد على المشتري، خصوصاً فيما إذا كان - أي المشتري - جاهلاً بالغبن، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.
وإذا أراد المشتري فصل الزيادة فليس للبائع منعه عنه، وإذا أراد المشتري فصلها بقلع الشجرة أو الزرع أو هدم البناء فحدث من ذلك نقص على الأرض تداركه، فعليه طمّ الحفر وتسوية الأرض ونحو ذلك.
وإن كان بالامتزاج فإن كان بغير جنسه وعدّ المبيع مستهلكاً فيه عرفاً كامتزاج ماء الورد المبيع بالماء ضمنه المشتري ببدله من المثل أو القيمة، وإلّا فإن عدّ الموجود طبيعة ثالثة للتفاعل بين الممتزجين مثلاً كالسكنجبين المصنوع من الخَلّ والسكّر، فحكمه الشركة في المزيج بنسبة الماليّة.
وإن لم يكن كذلك بأن عدّ الموجود خليطاً من موجودات متعدّدة لا يمكن إفراز بعضها عن بعض إلّا بكلفة بالغة - كمزج طُنّ من حبّ الحنطة بطُنّ من حبّ الشعير - فلو فسخ البائع فليس له إلزام المشتري بالإفراز أو بدفع بدل ماله بل يتصالحان بوجهٍ لا يستلزم الربا.
وهكذا الحال في الامتزاج بالجنس إذا لم يعدّ الموجود شيئاً واحداً - كخلط حبّ الحنطة بحبّ الحنطة - سواء أكان الخلط بمثله أو كان بالأجود أو بالأردأ، وأمّا إذا عدّ شيئاً واحداً كخلط دقيق الحنطة بدقيق الحنطة أو خلط السَّمْن بالسَّمْن فلا يبعد في مثله الحكم بالشركة في العين بنسبة الماليّة.
مسألة 139: إذا فسخ المشتري المغبون وكان قد تصرّف في المبيع تصرّفاً غير مسقط لخياره - لجهله بالغبن على ما تقدّم - فتصرّفه أيضاً تارة لا يكون مغيّراً للعين، وأُخرى يكون مغيّراً لها بالنقيصة أو الزيادة أو بالمزج.
وتأتي فيه الصور المتقدّمة وتجري عليه أحكامها، وهكذا لو فسخ المشتري المغبون وكان البائع قد تصرّف في الثمن أو فسخ البائع المغبون وكان هو قد تصرّف في الثمن تصرّفاً غير مسقط لخياره، فإنّ حكم تلف العين ونقل المنفعة ونقص العين وزيادتها ومزجها بغيرها وحكم سائر الصور التي ذكرناها هناك جارٍ هنا على نهج واحد.
مسألة 140: تعتبر الفوريّة العرفيّة في خيار الغبن، بمعنى عدم التأخير في الفسخ أزيد ممّا هو متعارف فيه حسب اختلاف الموارد، فلو أخّره لانتظار حضور الغابن أو حضور من يستشيره في الفسخ وعدمه ونحو ذلك فإن لم يعدّ عرفاً توانياً ومماطلة في إعمال الخيار لم يسقط خياره وإلّا سقط، والعبرة بالفوريّة من زمن حصول العلم بثبوت الغبن وثبوت الخيار للمغبون، فلو كان جاهلاً بالغبن أو بثبوت الخيار للمغبون أو غافلاً عنه أو ناسياً له جاز له الفسخ متى علم أو التفت مع مراعاة الفوريّة العرفيّة.
مسألة 141: إذا كان مغبوناً حين العقد - بأن اشترى بأكثر من قيمة المثل أو باع بالأقلّ منها - ثُمَّ ارتفع الغبن قبل أن يفسخ بأن نقصت القيمة أو زادت ففي بقاء خياره إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 142: يثبت خيار الغبن في كلّ معاملة لا تبتني على السماح واغتفار الزيادة والنقيصة كالإجارة ونحوها، وأمّا غيرها كالصلح في موارد قطع النزاع والخصومات فلا يثبت فيها خيار الغبن.
مسألة 143: إذا باع أو اشترى شيئين بثمنين صفقة واحدة أي بشرط الاجتماع وكان مغبوناً في أحدهما دون الآخر لم يكن له التبعيض في الفسخ، بل عليه إمّا فسخ البيع بالنسبة إلى الجميع أو الرضا به كذلك.
مسألة 144: إذا تلف ما في يد الغابن بفعله أو بأمر سماويّ وكان قيميّاً ففسخ المغبون رجع عليه بقيمة التالف في زمان التلف لا في زمان الفسخ أو الأداء، ولو كان التلف بإتلاف المغبون لم يرجع عليه بشيء، ولو كان بإتلاف أجنبيّ ىرجع المغبون بعد الفسخ على الغابن، ويرجع الغابن على الأجنبيّ، وكذا الحكم لو تلف ما في يد المغبون ففسخ بعد التلف، فإنّه إن كان التلف بفعل الغابن لم يرجع على المغبون بشيء، وإن كان بآفة سماويّة أو بفعل المغبون أو بفعل أجنبيّ رجع على المغبون بقيمة يوم التلف ورجع المغبون على الأجنبيّ إن كان هو المتلف، وحكم تلف الوصف الموجب للأرش حكم تلف العين.