القسم الأول

اختيار الزوجة

السؤال: ماذا نفهم من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لَا تَنْكِحُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ؛ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، ولا تَنكحُوهُنَّ لأَمْوَالِهِنَّ؛ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ، وَانْكِحُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، فَلَأَمَةٌ سَوْدَاءُ جَرْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ) (نهج البلاغة، الحكمة: 848)؟

الجواب: يشير الإمام (عليه السلام) في كلامه إلى وجوب أن يكون اختيار الرجل للزوجة بشكل صحيح؛ وهو دين المرأة، فلا يكون الرجل مهتمّاً ومركِّزاً في اختياره على جمال المرأة ومالها فقط؛ فإنَّه قد تكون المرأة ذات حُسن وجَمَال)، ولكن باطنها قبيحٌ، كما قال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): (أَيُّها النَّاسُ، إيّاكُم وخَضْراءَ الدِّمَنِ، قيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ؟ قَالَ (صلى الله عليه وآله): المَرْأةُ الحَسْناءُ في مَنْبتِ السُّوءِ)، (مرآة العقول، المجلسي: ج20، ص22).

  ولو اجتمع الجمال والمال في امرأة كان الاختيار أفضل وأكمل بكل تأكيد، ولكن لو توفر الدِّين في امرأة دون الجمال، فسيكون الاختيار للدِّين على الجَمَال؛ إذ لا فائدة من الجمال بلا دين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أَشَدُّ الذُّنُوبِ

السؤال: ما معنى كلام الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: (أَشَدُّ اَلذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِهِ صَاحِبُهُ)(شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: ج19، ص263)؟

الجواب: تنبيه عظيم من الإمام (عليه السلام) على أمرٍ كثيراً ما يصدر من الناس عامة، ولا يُقدِّرُون عواقِبَهُ السيئةَ أَلَا وهو الاستهانة بالذنب، ومعنى الاستهانة أي تحقير الذنب وتصغيره فلا يعتني به، ويقول هذا ذنب صغير وحقير، عن زيدٍ الشحام عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (اتَّقُوا المُحَقَّرَاتِ مِنَ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّهَا لَا تُغْفَرُ)، قُلْتُ: وَمَا المُحَقَّرَاتُ؟ قَالَ (عليه السلام): (الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ، فَيَقُولُ: طُوبَى لِي لَوْ لَمْ يَكُنْ لِي غَيْرُ ذلِكَ)(بحار الأنوار، المجلسي: ج73، ص345، ط مؤسسة الوفاء)، فهذا الانسان استهان بذنبه وكأنه يقول: أنّه لولا هذا الذنب الصغير لم يوجد لي ذنب، وهذا واقعاً هو الاستهانة بالذنب.

ولكن في الحقيقة عند الله سبحانه كل ذنب صغير هو كبير، وكل ذنب حقير هو عظيم، قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح كلام الإمام (عليه السلام): (..لأنَّ المعاصي لا هَيِّنَ فيها، والصغير منها كبير، والحقير منها عظيم، وذلك لجلالة شأن المُعصى سبحانه)(شرح نهج البلاغة: ج19، ص263).

إذنْ ينبغي على الانسان الحذر من الوقوع في الذنب وعدم الاستهانة به والإصرار عليه، لأنَّ الإصرار على الذنب استهانة به، فلذلك عبَّرَ الإمام (عليه السلام): (أَشَدُّ اَلذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِهِ صَاحِبُهُ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أَعْظَمُ اَلْحَسَرَاتِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ

السؤال: نرجو شرح كلام الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: (إِنَّ أَعْظَمَ اَلْحَسَرَاتِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حَسْرَةُ رَجُلٍ كَسَبَ مَالاً فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ فَوَرِثَهُ رَجُلٌ فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ فَدَخَلَ بِهِ اَلْجَنَّةَ وَدَخَلَ اَلْأَوَّلُ بِهِ اَلنَّارَ)(شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج20، ص74)؟

الجواب: كل انسان يسعى في الحياة الدنيا لأنْ يكون صاحب مالٍ وفيرٍ، والطبيعة الانسانية تكون محبّةً للمال، وهذا شيء غريزي فيه، قال تعالى: (وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبَّاً جَمَّاً)(الفجر:20)، ولكن ينبغي على الانسان أنْ يوازن في تحصيل ثروته من الأموال، فلا يجعل مِن حبِّهُ للمال أنْ يتعدى حدود الله سبحانه، فيجمع مالَهُ من الحلال والحرام، فيحاسبه الله تعالى على الحرام ويعاقبه عليه، قال الإمام علي (عليه السلام) واصفاً الدنيا: (فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ)(نهج البلاغة: الخطبة82).

ومن هنا حذَّر الإمام (عليه السلام) في كلامه أعلاه من الكسب الحرام من الأموال؛ لأنه بالتالي سيورِّثُهُ إلى ورثتِهِ من بعده، فيستعمله الوارثُ في طاعة اللهِ فيدخل به الجنة، واستعمله المورِّثُ في الحرام فيدخل به النار، وهذه هي أعظم الحسرات يوم القيامة، فيأتي الانسان حاملاً ذنوبَهُ على ظهره بما فرَّطَ في الحياة الدنيا، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ)(الانعام:31).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أَفْضَلُ اَلزُّهْدِ

السؤال: ماذا يقصد الامامُ أمير المؤمنين (عليه السلام) من كلامه: (أَفْضَلُ اَلزُّهْدِ إِخْفَاءُ اَلزُّهْدِ)(نهج البلاغة: الحكمة28).

الجواب: الزهد من الخصال الحميدة التي ينبغي للمؤمن التحلي بها؛ لأنَّ الاتصاف بهذه الخصلة العظيمة تُبْعِدُ الانسانَ عن عناء الدنيا، فالإمام (عليه السلام) يدعو إلى التحلي بالزهد، ولكن في نفس الوقت يؤكد على عدم التظاهر والتجاهر به؛ لئلّا يصاب الانسان الزاهد بالغرور والرياء وبالتالي بطلان عمله، قال ابن أبي الحديد المعتزلي: (إنَّما كان كذلك -أي إخفاؤُه-لأن الجهر بالعبادة والزهادة والإعلان بذلك قلَّ أنْ يسلمَ من مخالطة الرياء..)(شرح نهج البلاغة: ج18،ص139).

فهنا الإمام (عليه السلام) يدلُّنا على أفضل طريقة للابتعاد عن الدنيا وهي: بأنْ يجاهد الانسان نفسه واقعياً حتى يرتقي بها إلى مراتب الكمال؛ ولا عبرة بالأمور الظاهرية خصوصاً مع قصد الظهور والإعلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إقْبَالُ الدُّنْيَا وإدْبَارُها

السؤال: ما معنى كلام الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: (إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أَحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ)(نهج البلاغة، محمد عبدة: الحكمة9).

الجواب: من أحوال الانسان يريد الدنيا في حياته، ويعيش أيامها بكل ما أوتي من قوةٍ، فيحاول أن يحصّل أسبابها، فاذا حصَّلَها وأقبلَتْ عليه (أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ) أي كَسَتْهُ محاسن الناس التي هي غير موجودة فيه، فهنا تعبير لطيف وجميل من الإمام (عليه السلام) وهو الإعارة، وفيه إشارة إلى المدة القصيرة للنعمة فهي نعمة وقتية تُعطى للإنسان وتزول عنه سريعاً بحسب سنوات الدنيا مهما طال عمر الانسان، ويشير هذا التعبير أيضاً إلى إنَّ الدنيا غير مأمونة تهبُ من لا يستحق وتمنع من يستحق، ولا يهنأ العيش لمن يركن إليها.

قال الإمام علي (عليه السلام): (ما أَصِفُ مِنْ دارٍ أَوَّلُها عَناءٌ، وآخِرُها فَناءٌ..)(نهج البلاغة: الخطبة82).

ثم يقول (عليه السلام): (وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ): أي إذا ولَّتْ وذَهَبَتْ وابتعَدَتْ الدنيا عن الانسان سَلَبَتْ منه الصفات الحسنة التي كانت فيه قبل إقبال الدنيا عليه.

فالإمام (عليه السلام) يبيِّنُ هذه الحقائق الواقعية في الحياة العملية التي يعيشها الإنسان، ويشير ابنُ أبي الحديد إلى هذا المعنى من كلام الإمام (عليه السلام): (واعلمْ أنّا قد وَجَدْنَا تصديقَ ما قاله (عليه السلام) في العلوم والفضائل والخصائص النفسانية) (شرح نهج البلاغة: ج18، ص106).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أَقْسَامُ العِبَادَةِ فِي نَهْجِ البَلَاغَةِ

السؤال: ما هو المقصودُ من كلامِ أَميرِ المؤمنين (عليه السلام) في نهجِ البلاغة: (إنَّ قَوْمَاً عَبَدُوا اللهَ رَغْبَةً فَتِلكَ عِبادَةُ التُّجّارِ، وإنَّ قَوماً عَبَدُوا اللهَ رَهبَةً فَتِلكَ عِبادَةُ العَبيدِ، وإنَّ قَوماً عَبَدُوا اللهَ شُكْراً فَتِلكَ عِبادَةُ الأَحْرارِ) (نهج البلاغة: الحكمة 237)؟

الجواب: العبادةُ هي علاقةُ العبدِ معَ ربِّه، فَمِنَ الناسِ مَنْ يأتي بها بروحِها ومضمونِها، ومنهم من يكتفي بظاهرِها وصورتِها، لذلكَ قسَّمَ الإمام (عليه السلام) الناسَ من حيثُ عبادتِهم إِلى ثَلاثةِ أقسَامٍ في كلامِهِ أَعلاه:

1-أَمّا قوله(عليه السلام): (إِنَّ قَوْمَاً عَبَدُوا اللهَ رَغبَةً فَتِلكَ عِبادَةُ التُّجّارِ) فهم الذينَ يعتبرونَ العبادةَ سلعةً، يرغبونَ في الرِّبحِ والثَّمنِ والعِوَضِ، فهذه عبادةُ التُّجار.

2-وأَمّا قوله(عليه السلام): (وإِنَّ قَوْمَاً عَبَدُوا اللهَ رَهبَةً فَتِلكَ عِبادَةُ العَبيدِ) فهم الذينَ يعبدونَ اللهَ(عزَّوجلَّ) تنفيذاً لأَوامره، وخوفاً مِمّا يترتب على مخالفتِها من جزاءٍ وعقابٍ، وهذهِ عبادةُ العبيدِ.

3-وأَمّا قوله(عليه السلام): (وإِنَّ قَوْمَاً عَبَدُوا اللهَ شُكْراً فَتِلكَ عِبادَةُ الأَحْرارِ) فهم الذينَ يعبدون اللهَ (عزوجل) لمعرفتهم إِياه وتقديرهم لعظمته، وأَنّه أَهلٌ للعبادة، سواءً أَثابهم عليها أَم لا، وعاقبهم على تركِها أَم لا، وهذهِ عبادةُ الأَحرار، وهذا القِسْمُ هو أَعظمُ درجاتِ العبادة، إِذْ يقول إِمامُنا الصَّادقُ (ع): (.. وقَومٌ عَبَدُوا اللهَ (عَزَّوجَلَّ) حُبًّا لَهُ فَتِلكَ عِبادَةُ الأَحرارِ، وهِيَ أَفضَلُ العِبادَةِ((الكافي، الكليني: ج2، ص84).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اكتسَابُ الإخْوَانِ

السؤال: ما معنى كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: (أَعْجَزُ اَلنَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اِكْتِسَابِ اَلْإِخْوَانِ وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ)(شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: ج18، ص112)؟

الجواب: إنّ حياة الانسان حافلة بالشدائد والمصاعب فيحتاج إلى من يقف معه فيها، فيبحث عن الإخوان وهم الأصدقاء، فيحاول أنْ يكسبهم إليه بتعامله الجيد معهم، وأن لا ينفّرهم منه، قال ابن أبي الحديد: (وكان يقال الإخوان ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغني عنه، وطبقة كالدواء يحتاج إليه عند المرض، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبداً)(شرح نهج البلاغة: ج18، ص112).

فمعنى كلام الإمام (عليه السلام): إنّ من يعجز عن اكتساب الاخوان والأصدقاء هو من أعجز الناس، (وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ) أي أعجز من هذا العاجز هو المضيّعُ لإخوانِهِ وأصحابه الذين يرغبون اليه ويودّونه في الله، وينصحونه بطاعة الله والابتعاد عن معاصيه، قالَ الامامُ الباقرُ(عليه السلام): (إِنَّ المُؤْمِنَيْنِ المُتَآخَيْنِ فِي اللهِ لَيَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي الْجَنَّةِ فَوْقَ الْآخَرِ بِدَرَجَةٍ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي قَدْ كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ، فَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ فَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنَهُمَا)(بحار الأنوار، المجلسي: ج74، ص278)، قال تعالى: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(الحجرات:10)، إنما يكتسبُ الإخوان بالتودد والتزاور والكلمة الطيبة وجميل العشرة، ويخسر المرءُ إخوانَهُ بالتباعد والتقاطع وسوء المعاملة وترك معونتهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الابْتِعَادُ عَنْ الفِتْنَةِ

  السؤال: ما معنى كلامِ الإمام علي (عليه السلام) في نهجِ البلاغة: (كُنْ فِي الفِتْنَةِ كَابْنِ اَللَّبُونِ، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلَا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ). (نهج البلاغة، الحكمة1).

  الجواب: ابن اللبون: هو ولد الناقة الذكر إذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة، ولا يكون قد كملَ وقويَ ظهرُه على أَن يُركب، وليس بأُنثى ذات ضرع فيُحلب، وهو مطّرَحٌ لا يُنتفع به. (شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج18، ص82).

  وأيام الفتنة: هي أيام الحرب بين رئيسين ضالَّين، يدعوان كلاهما إلى ضلالة، كفتنة عبد الملك وابن الزبير ونحو ذلك، فأما إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة، بل يجب الجهاد مع صاحب الحق كالمعصوم (ع)، وبذل النفس في إعزاز الدين.

  فالإمام (عليه السلام) أراد التشبيه في الفتنة بابنِ اللَّبُون في عدم انتفاع الظالمين بك أيها المؤمن بأي وجهٍ من الوجوه، فكما أنّ ابنَ اللَّبُونِ لا نفعَ فيه بالركوب ولا باللبن، فكذلك الإنسان يبتعد عن الفتن مهما امكنه بحيث لا ينتفع منه، فكثيراً ما تسفك الدماء وتنهب الأَموال في الفتن فيكون شريكاً مع الظالمين ويخسر الدنيا والآخرة.

  قال أَميرُ المؤمنين (عليه السلام): (أَخمِلْ نفسَك أيامَ الفتنةِ، وكنْ ضَعيفَاً مغْموراً بينَ النَّاس، لا تصْلِحْ لهم بنفسِكَ ولا بمالِك، ولا تنصرْ هؤلاءِ وهؤلاءِ). (شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج18، ص83).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاستعدادُ للموتِ

السؤال: كيف يستعد الإنسان للموت في كلام الإمام علي(عليه السلام): (مَنْ تَذَكَّرَ بُعْدَ السَّفَرِ اسْتَعَدَّ) (شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ص19، ص171).

الجواب: إنَّ الموت ومفارقة هذه الحياة الدنيا حقيقة أكيدة وإنْ صعبَ على الكثير قبولها والمعايشة معها، وفي كلام الإمام (عليه السلام) تشبيه رائع للموت وكيفية الاستعداد له بحالة معاشة يمرّ بها الانسان في حياته وهي السفر، وكيف يستعد له خصوصاً إذا كان هذا السفر طويلاً فيعد له العدّة المطلوبة من مأكل ومشرب وتهيئة أموره، فكذلك الموت فهو يرتحل من عالم إلى آخر، فأعظم شيء يعدّه الإنسان لسفره هو فعل الواجبات وترك المحرمات، وهي زاده في عالم ما بعد الموت، ومن أهم الواجبات فضلا عن الصلاة والصوم ما يشمل الصدق والأمانة والمروة وبر الوالدين وصلة الأرحام وغيرها، وأهم المحرمات ما يشمل ترك شرب الخمر والكذب والسرقة وعقوق الوالدين، وإيذاء الناس والاعتداء على أعراضهم وغيرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإمام علي (عليه السلام) وحبُّهُ للجِهَادِ

السؤال: هل توجد نصوص من نهج البلاغة على جهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وحبّه له؟

الجواب: كان الإمام (عليه السلام) يعشقُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ (سبحانه)، ويَظْهرُ ذلكَ من أقواله وأفعاله، فَمِنْ كلامٍ لَهُ (ع): (إِنَّ أَكْرَمَ الموْتِ الْقَتْلُ، والَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ لأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللِه..)(نهج البلاغة، دار الكتاب اللبناني: ص179).

وكانت العرب تفتخر إذا وقفت أمَامَه (ع) في سَاحةِ القتالِ، ويفتخرُ أيضاً بذَلكَ أهْلُ المقْتُولِ بِسَيفِهِ (ع)، قالتْ أختُ عمرو بن ودِّ العامري الذي قتله الإمام (عليه السلام) في غزوة الخندق:

لَو كَانَ قاتِلُ عَمروٍ غيرَ قاتِلِهِ           بَكَيْتُهُ ما قامَ الرّوحُ في جَسَدي

لكِنَّ قاتِلَهُ مَن لا يُعابُ بِهِ                وكانَ يُدعى قَدِيماً بَيضَةَ البَلَدِ

وكان (ع) المدافع الأول عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في يوم أُحد لما هربَ المسلمون من بين يَدي النبي (صلى الله عليه وآله)، حتى نزل جبرائيل (ع) بالوسامِ الإلهي وقلَّده لعلي (ع): (لا سيف إلَّا ذو الفقار، ولا فتى إلَّا علي). (بحار الانوار، المجلسي: ج20، ص72).

وفي يومِ فتحِ خَيْبَر قَلَّدَهُ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وِسَامَاً نَبَوِيّاً: (لأعْطِينَّ الرايَةَ غداً رَجُلاً يَفتحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ، يُحِبُّ اللهَ ورسُولَهُ ويُحِبُّهُ اللهُ ورسُولُهُ)،(بحار الانوار، المجلسي: ج39، ص12).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأمْنُ الغِذائيُّ

السؤال: نرجو توضيح كلام الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: (اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَاَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ)(شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: ج18، ص179)

الجواب: من أهم الأمور التي يحتاجها الانسان في حياته هو ضمانُ قوتِه اليومي، وهذا ما يسمى اليوم بالأمن الغذائي، فإنّ الانسان إذا ضمن قوته وغذائه كانت نفسُهُ مؤمنة وحياته آمنة مستقرة، قيل في الامثال: (لَوْلَا الخبْزُ لَما عُبِدَ الله)(مجمع الامثال، أبو الفضل الميداني: ج2، ص257).

لقد سعى الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) لتحقيق الأمن الغذائي في خلافته كجزء من حق الضمان الاجتماعي لكل فرد، ولاسيما هو صاحب التجربة المميزة في إطعام المحتاجين والاهتمام بهم ومساعدتهم. وكان (ع) كثيراً ما يؤكد على الحكّام الإسلاميين أنْ يحققوا ويؤمّنوا الغذاء لشعوبهم ويبعدوا عنهم شبح الجوع، قال (ع): (إنَّ مِنَ اَلْفَسَادِ إِضَاعَةُ اَلزَّادِ)(بحار الانوار، المجلسي: خطبة الوسيلة، ج77، ص290).

فالإمام (عليه السلام) في كلامه أعلاه: (اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ..) يحذِّر كلَّ من يتسنَّم السلطة والحكم من الجوع كونه سلاحاً خطراً قد يوجه ضد الانسان والمجتمع، وبالتالي قد يؤدي الى عدم الامن وعدم السلم المجتمعي، فإنّ الكريم يعتقد في نفسه كان يعطي كل شيء، فاذا جاع فقد كل شيء فيصول ويتمرد، وعكسه اللئيم -أي البخيل- الذي يعتقد بأنه لا يملك شيئاً حتى لو كان غنياً، فاذا شبع تمرد وصالَ وجال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التّبْذِيرُ والتّقْتِيرُ

السؤال: إلى ماذا يشير الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) بكلامه في نهج البلاغة: (كُنْ سَمْحاً وَلَا تَكُنْ مُبَذِّراً، وَكُنْ مُقَدِّراً وَلَا تَكُنْ مُقَتِّراً)(نهج البلاغة، محمد عبدة: ج3، ص159)؟

 الجواب: يشير الإمام علي (عليه السلام) بكلامه أعلاه إلى مسألة جداً مهمة في حياة الانسان أَلَا وهي: مسألة (التبذير والتقتير)، يعني أنّ الانسان في حياته لابد أن يكون معتدلاً في معيشته الحياتية أي لا إفراط ولا تفريط، قال الله (عزوجل): (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)(الفرقان:67)، فالقوامُ هو الوسطية، فلا يبسط يده كل البسط فيُبَذِّرُ ويقعد ملوماً محسوراً، ولا يقبضها كل القبض فيُقَتِّرُ، قال تعالى: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُورًا )(الاسراء:29)، فنهت الآيةُ الكريمةُ النّبيَّ(صلى الله عليه وآله) عن أنْ يُبَذِّرَ أو يُقَتِّرَ، وهذه المعادلة يمكن تعديتُها حتى إلى تصرفات الانسان وتعاملاته مع الآخرين، فلا يفرط في صداقاته، فيضيع حقوق نفسه والناس، ولا يفرط في عداواته، حتى يخرجه غضبُهُ عن العدل، فالمؤمن بحكمته يمكنه الموازنة بين الاهتمام بأهله وعياله، وبين الاهتمام بأفراد المجتمع، كي تسلم حياته الشخصية والاجتماعية على حد سواء، وبذلك يأمنُ منَ الإفراطِ والتفريطِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التَّوحِيدُ فِي نَهْجِ البَلَاغَةِ

السؤال: طعن الشيخ صالح الفوزان في (نهج البلاغة) من جهة احتوائه على خطب وكلمات في التوحيد يراها هو باطلة ومخالفة للعقيدة الصحيحة، فنقل جزءً من خطبة التوحيد للإمام علي (ع) في النهج (نهج البلاغة، السيد هاشم الميلاني: ص451، الخطبة186): (ولا يوصف بشيء من الأجزاء، ولا بالجوارح والأعضاء،...)، ثم أردفها بقوله: (انتهى ما اردنا نقله من هذا الهذيان...). (البيان لأخطاء بعض الكتاب، الشيخ صالح الفوزان، ص101).

الجواب: من باب كشف الحقائق، وفهم العقيدة الصحيحة للمسلمين، نذكر بعض الكتب التي اعتبرها الشيخ صالح الفوزان مرجعاً للعقيدة:

1-كتاب (الرد على الجهمية لأحمد بن حنبل): فيه من التجسيم والتشبيه الشيء الكثير.(نهج البلاغة فوق الشبهات، الشيخ احمد سلمان: ص105)

 2-كتاب (السنة لعبد الله بن احمد): يذكر المؤلف رواية فيه (ص178): (قال: كتب الله التوراة لموسى (ع) بيده، وهو مسند ظهره إلى الصخرة في ألواح من در، فسمع صريف القلم، ليس بينه وبينه إلَّا الحجاب). فهذه الرواية تثبت أنَّ لله يد يكتبُ بها، ويستعين بالقلم في الكتابة، والطامّة أنَّ الله (تعالى) مسند ظهره إلى صخرة! أهذا هو التوحيد الذي يدعونا إليه الشيخ الفوزان؟!!

3-كتاب (التوحيد لابن خزيمة): قد صدق الفخر الرازي في وصفه للكتاب بـ (كتاب الشرك).(مفاتيح الغيب، الفخر الرازي: ج27، ص150).

فهذه هي العقائد التي يريدنا الشيخ الفوزان أن نتدينَ بها، ونترك نهج البلاغة وما احتواه من دُررٍ في التوحيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التَّوسُّلُ بالنَّبِيّ (صلى الله عليه وآله) في نَهجِ البَلَاغَةِ

السؤال: قال الإمام (عليه السلام): (إذا كانَت لَكَ إلَى اللهِ سُبحانَهُ حاجَةٌ فَابدَأ بِمَسأَلَةِ الصَّلاةِ عَلى رَسولِهِ( ص)، ثُمَّ سَل حاجَتَكَ..)(نهج البلاغة، تحقيق هاشم الميلاني: حكمة351، ص792). حاول البعض أنْ يتصيَّدَ من هذا الكلام بأن الإمام (عليه السلام) ينهى عن التوسّل والتشفّع بالنبي وآله (صلوات الله عليهم اجمعين)، فقال: (يشير الإمام علي لمن كانت له حاجة، أن يبدأ بالصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله)، ولم يأمرْ هذا بالذهابِ إلى قبرِ النّبي (صلى الله عليه وآله)) (قراءة راشدة في نهج البلاغة، الجمعان: ص12)، فكيف يُجابُ على هذه الشبهة؟

الجواب: نجيبُ على هذه الشبهة بما يلي:

الأول: إنَّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، فأمير المؤمنين (عليه السلام) ذكر طريقاً لاستجابة الدعاء، ولكن لا تنحصر الإجابة بهذا الطريق فقط.

الثاني: بالحقيقة إنَّ هذه الطريقة في الدعاء هي توسّلٌ، لأنَّ تقديمَ الصلاةِ على محمدٍ وآله (عليهم السلام) قبل أنْ يدعو الداعي بما يشاء هو نوعٌ من الاستشفاعِ بهم (عليهم السلام)، فالصلاة عليهم طريق لاستجابة الدعاء.

السؤال: رأىَ البعضُ: إنّ في كلام الإمام علي (عليه السلام) في النهج: (إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ الَى‌ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‌ الإِيمَانُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ)(نهج البلاغة، هاشم الميلاني: الخطبة109، ص286) نهياً عَن التوسّلِ بالأشخاص، كالنّبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)، فما هو الجواب عن هذه الشبهة؟

الجواب: يجاب على هذه الشبهة بأمور:

الأول: إنّ الإمام (عليه السلام) لم يحصر التوسل في هذه الصورة، بل عبَّر بصيغة التفضيل، ومن المعروف أنّ هذه الصيغة يستفاد منها الاشتراك في الحكم، فاذا قلنا: (زيد أشجع من عمر) فنحن نثبت الشجاعة لكليهما، وأنّ زيداً أزيد شجاعةً من عمر، فكذلك التوسّل، فإنّ تفضيل طريقة على أخرى لا يعني بطلان الثانية.

الثاني: إنّ هذه الخطبة نصّ على جوازِ التوسلِ، بل على أفضليته، وذلك لأن الإمام (عليه السلام) قال أفضل التوسل هو التوسل بالإيمان بالله تعالى وبرسوله (صلى الله عليه وآله)، والإيمان بالرسول (صلى الله عليه وآله) هو اتباع أوامره والانتهاء عن نواهيه، وقد أمَرَنَا الرسول (صلى الله عليه وآله) بالتوسل به (صلى الله عليه وآله) في كثير من الموارد، منها: ما رواه الطبراني في (المعجم الكبير: ج24، ص352) من قصة دفن فاطمة بنت أسد (عليها السلام)، ونزول النّبي (صلى الله عليه وآله) في قبرها، قال (صلى الله عليه وآله): (الله الذي يحيي ويميت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ووسّع عليها مدخَلَها، بحقّ نبيّك والأنبياء الذين من قبلي).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحِلْمُ عَشِيرَةٌ

السؤال: إلى ماذا يدعو الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في كلامه: (الحِلْمُ عَشِيرَةٌ)(نهج البلاغة: ص590، تحقيق السيد هاشم الميلاني)؟

الجواب: ما أروع هذه الدعوة من الإمام (عليه السلام)! إذ تبني مجتمعاً آمناً مطمئناً تسوده مباديء التسامح ونبذ الاحقاد والمشاحنات التي كثيراً ما تُبتلى بها المجتمعات البشرية، لأنَّ الإنسان بطبيعته واقعاً مهما صَبَرَ وصبَّرَ نفسه فلا يستطيع أنْ يتحمل الأذى من الآخرين وخصوصاً المعتدين، فإذا تحمَّل هذا الأذى وصبر وحلم عليه مع القدرة على الرد على المعتدي، فهو يكون قد كسب أنصاراً وأعواناً له كالعشيرة الساندة له في الصغيرة والكبيرة في هذه الحياة الدنيا.

فالإمام (عليه السلام) يؤكد على التحمل والصبر والحلم على الآخرين، وتحكيم العقل، وعدم الاستماع لنداء: (إنَّ السكوت عن المعتدي ضُعْفٌ وذلٌّ)، فبهذا التصرف يكون الحليم قد ترك الانتقام والمقابلة بالمثل امتثالاً للعقل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخيرُ كثيرُهُ وقَلِيلُهُ

السؤال: ما هو الميزان في فعل الخير الكثير أو القليل الذي يمكن أنْ نفهمه من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): (إِفْعَلُوا الخَيْرَ وَلاَ تَحْقِرُوا مِنْهُ شَيْئاً، فَإِنَّ صَغِيرَهُ كَبِيرٌ، وَقَلِيلَهُ كَثِيرٌ)(نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج20، ص66)؟

الجواب: يُشجع الإمام (عليه السلام) على فعل الخير الكثير والعمل الحسن المقرّب إلى الله تعالى، فمهما كان العمل صغيراً وقليلاً في نظر المرء، يكون كثيراً وكبيراً عند الله تعالى، فلا يحقر الإنسان عمله هذا، ولا يتكل على الآخرين في القيام به، فاذا جاءه صاحبُ حاجةٍ وطلب منه، فقال له إذهب إلى فلان فهو أولى بفعل الخير مني، وهو يقضي حاجتك، فيكون بذلك القول قد صار واقعاً، وإنَّ الذي ذهب اليه السائل أولى بفعل الخير من الذي قصده السائل أوّلاً، قال أمير المؤمنين: (وَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنَّ أَحَداً أَوْلَى بِفِعْلِ اَلْخَيْرِ مِنِّي فَيَكُونَ وَالله كَذَلِكَ)(نهج البلاغة: الحكمة430).

فقليلٌ من الخيرِ خيرٌ من عدمِ الخيرِ أصلاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدَّسُّ في نَهْجِ البَلَاغَةِ

السؤال: يدَّعي البعض أنَّ كتاب نهج البلاغة فيه دسٌ وكذبٌ، وهذا يمنعنا عن قبول هذا الكتاب أو العمل به؟

الجواب: أولاً: أننا لو سلّمنا جدلاً أنَّ كتاب نهج البلاغة فيه دَسٌّ، ولكن لا يعني هذا سقوط الكتاب كله؛ لأنَّه لا يلزم من وجود روايات مكذوبة فيه طرحُ الكتاب بكامله، ولو أننا أسقطنا كل كتاب فيه دسٌ لما بقي كتابٌ واحد عند المسلمين سالماً، إذ أنه لا يخلو كتاب من أحاديث مدسوسة، ومن باب المثال: صحيح البخاري الذي يَعدُّوه أصح الكتب بعد كتاب الله، يحكم الذهبي على حديث فيه: (بأنه غريب جداً ومُنكر) (ميزان الاعتدال، الذهبي: ج1، ص641). وكذلك صحيح مسلم يصفه ابن باز: (مجموع فتاوى ابن باز: ج25، ص70) بأنه يحتوي على إسرائيليات باطلة.

ثانياً: إنَّ هذا القول لا يخلو من احتمالين: إما أنْ يكون الدس قد وقع بعد أن جمعَ الشريف الرضي (قدس سره) وانتهى منه، فيكون المتهم بذلك هم النُسّاخ الذين تولوا نسخ الكتاب، وإمّا أن يكون الدس قد وقع قبلَ جمعِ الشريف الرضي لكتابه، فيكون المتهم بهذا الرواة الذين نُقلت عنهم فقرات النهج.

أمّا الاحتمال الأول فلا يمكن القبول به؛ لأنَّ الكتاب قد شاع وانتشر بعد أن دَوّنه الشريف الرضي، واهتم به الناس تداولاً وقراءةً وحفظاً وشرحاً، وأمّا الاحتمال الثاني فهو وإنْ كان في نفسه ممكناً، ولا مانع منه عقلاً أو عرفاً، إلَّا أنَّ إثباته يحتاج إلى دليل وبرهان، والادّعاء لوحده لا يكفي، فمن يدَّعي وجود خطب مكذوبة فعليه أن يضع يدَه عليها، ويقيم الدليل الصحيح على دعواه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرشَادُ والغَيُّ

السؤال: كيف يمكن أنْ نُفرِّقَ بينَ الرشد والغيّ في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): (كَفَاكَ مِنْ عَقْلِكَ، مَا أَوْضَحَ لَكَ سُبُلَ غَيِّكَ مِنْ رُشْدِكَ)(نهج البلاغة: الحكمة411)؟

الجواب: يؤكد الإمام (عليه السلام) على أنَّ ما يُفرِّق بين الرشد والغيّ هو العقل؛ إذ أنه يكفي في قيمته وعظمته أنْ يميز للإنسان طريق الضلال والشقاء عن طريق النجاة والسعادة، فمثلاً نجد في عالم الحيوانات أنَّ المرشد لها إلى طريق سعادتها، هو الغريزة، أما الإنسان بما أنَّ الله تعالى وهبه أثمن الأشياء وهو العقل، ورتّب الثواب والعقاب عليه، فإنَّ الغريزة غير كافية في تحقيق سعادته، لأنّه يختلف عن الحيوان بالتقيّد بالقيم والأخلاق والحياة الآخرة التي هي السعادة الحقيقية، وما من أداة يميز بها بين الخير والشر، والنفع والضر غير العقل، وهو حثٌّ منه (ع) على استعمال واستثمار هذه النعمة للعيش بعنوان الإنسانية الشريف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصَّبْرُ عَلَى المَرَضِ

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: (امْش بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ)(شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج18، ص138).

السؤال: ما المراد من كلامه (ع)؟

الجواب: في كلام الإمام علي (عليه السلام) دعوة إلى تحمُّل الداء -المرض والعلة- والصبر عليه، وبالتالي ما دام الداء سهل يمكنك معه العمل في شؤونك فاعمل وتحمله، دون اللجوء إلى استعمال الدواء، إلَّا في الحالات القصوى، إذ أنّ بعض الأمراض قد يشفى منها الإنسان بعلاجها بالراحة والنوم الطبيعي وتقليل الطعام المضر بالصحة ونحو ذلك.

وهذه الحكمة العظيمة من الإمام (عليه السلام) تتفق مع مسألة طول العمر لبعض الناس وخصوصاً العلماء وبإرادة الله سبحانه طبعاً، حيث كان المعمِّرون يعتمدون نظاماً غذائياً معتدلاً مما أدَّى إلى طولِ أعمارِهم.

وقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أنَّ الإسراف في استعمال الأدوية الكيمائية المصنعة له آثار جانبية على صحة الإنسان، وقد تؤدّي به إلى ظهور أمراض جديدة عنده أو انتكاسة صحية غير متوقعة.

ولذلك نرى الإمام (عليه السلام) يوصي ولده الإمام الحسن(ع) بأن لا يتعجل في استعمال الدواء، فقد يكون استعمال الدواء بكثرة دَاءَاً عليه، فقال(ع) له: (رُبَّما كانَ الدَّواءُ دَاءَاً)(شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج16، ص101).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصَّدَقَةُ تَطْردُ الفَقْرَ

السؤال: ما هو المراد من كلام الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة (إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا اللهَ بِالصَّدَقَةِ)(نهج البلاغة، محمد عبده: ج3، ص210، ط مطبعة الاستقامة)؟

الجواب: في كلام الإمام (عليه السلام) أعلاه دعوة إلى معالجة حالة من الحالات الاقتصادية التي يمكن أنْ يمرّ بها الانسان في حياته الدنيوية، ألا وهي حالة الإملاق أي الفَقْر، وهذه الحالة تحدث لكثير من الناس، فالإمام (عليه السلام) هنا يعطي علاجاً للفقر وهو الصدقة، فقال(ع): (إِذَا أَمْلَقْتُمْ..) أي إذا افتقرتم، (فَتَاجِرُوا اللهَ بِالصَّدَقَةِ) أي فعليكم بالصدقة فادفعوها قربة إلى الله تعالى فتغنيكم وتعطيكم في هذه الدنيا من الخير الكثير مادياً ومعنوياً، قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(النساء:114).

وإذا رجعنا إلى الحياة العملية للإنسان في هذه الدنيا نجد أنّ انجعَ وانجحَ دواءٍ لحلِّ مشكلةِ الفقرِ هي الصدقة، فهي متاجرة مع الله كما قال الإمام (عليه السلام): (فَتَاجِرُوا اللهَ بِالصَّدَقَةِ)، وهذه التجارة لعله والله العالم فيها سر كبير وعظيم، قال محمد عبده في شرح كلام الإمام (عليه السلام): (إذَا افتقرتم فتصدقوا، فإنَّ اللهَ يعطفُ الرزقَ عليكم بالصدقةِ، فكأنّكم عاملتم الَله بالتجارة، وههنا سرٌّ لا يُعلم)(نهج البلاغة، ج3، ص210، ط مطبعة الاستقامة).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطَّمَعُ رِقٌّ مُؤَبَّدٌ

السؤال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الطَّمَعُ رِقٌّ مُؤَبَّدٌ)(نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: ج18، ص413)؟ فكيف يكون الانسان عابداً للطمع؟

الجواب: الطمع أي الحرص وهو صفة مذمومة، لا ينبغي للمؤمن أنْ يتصف بها، وجدير به أنْ  يبتعد عنها مهما امكن، لأنَّ هذه الصفة الذميمة سوف تجعل من الانسان أنْ يعيش ذليلاً بين الناس، وعبداً لطمعه وحرصه على الدنيا، ولذلك عبَّرَ الإمام (عليه السلام): (رِقٌّ مُؤَبَّدٌ) أي عبودية دائمية للطمع والحرص، في كافة المجالات كالمناصب الاجتماعية والسياسية وغيرها، وهذا ما يُبعِّدُ الانسانَ الطامع عن الناس، ويُفقِدُ ودَّهم وتعاطفَهم معه، فلابد للإنسان أنْ يثقَ بالله تعالى ويبتعد عن ملذات الدنيا؛ لأنَّه بالتالي مهما حرص على أنْ يجمع أموالاً أو أولاداً أو جاهاً فهو بالتالي خارج من هذه الدنيا، ولا ينفعه طمعه وقتذاك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العَاقِلُ والأحْمقُ

السؤال: ما معنى كلام الامام أمير المؤمنين في نهج البلاغة: (لِسانُ العاقِلِ وراءَ قلبِهِ، وقلبُ الاحمقِ وراءَ لسانِهِ)(شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج18، ص159)؟

الجواب: يبين الإمام (عليه السلام) أفضل طريقة لتفكير الانسان وتكلمه وتعايشه وتفاهمه مع أفراد المجتمع، لأن التواصل والتفاهم بينهم إنما يتمّ عن طريق الكلام فيما بينهم.

فقوله(عليه السلام): (لِسانُ العاقِلِ وراءَ قلبِهِ) أي أنّ الانسان لا يطلق كلامه على عواهنه قبل التفكر والتروّي، وانما يسيطر على خلجات نفسه وذاته؛ لأن قلبه هو المتحكم فيه، ولعل المراد من قلبه هو ذاته ونفسه، قال ابن هيثم البحراني: (إن المراد بالقلب في عرف أهل العرفان النفس) شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين: ص83.

وقوله(عليه السلام): (وقلبُ الأحمقِ وراءَ لسانِهِ)، فإن الاحمق قليل العقل، قال المازندراني: (الاحمق: الناقص العقل من الحمق، وهو نقصان العقل وفساده)(شرح أصول الكافي: ج10، ص44)، فالأحمق يتسرع بإطلاق العبارات دون التفكر بها وقد تُجرحُ الآخرينَ، قال الشريف الرضي: (وهذا من المعاني العجيبة الشريفة، والمراد به أنّ العاقل لا يطلق لسانه إلَّا بعد مشاورة الرَّويّة ومؤامرة الفكرة، والأحمق تسبقُ خذفاتُ(1) لسانِهِ وفلتاتُ كلامِهِ مراجعةَ فكرِهِ ومماخضَةَ رأيِهِ(2)، فكأنّ لسان العاقل تابع لقلبه، وكأنّ قلب الاحمق تابع للسانه)(نهج البلاغة، محمد عبدة: ج4، ص11، ط دار المعرفة).

(1) العبارات السريعة بدون روية وتفكر.

(2) مماخضة الرأي: تحريكه حتى يظهر صوابه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العَفْو عنْدَ المقْدِرَةِ

السؤال: كيف يمكنُ الانتفاعُ من كلامِ الإمامِ أميرِ المؤمنين (عليه السلام) في حياتِنَا: (إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ)(نهج البلاغة: الحكمة7)؟

الجواب: سعى الإمام علي (عليه السلام) حثيثاً نحو الحد من شرور الحرب وآثارها السلبية على المجتمع رافضاً مبدأ استخدام القسوة والانتقام في الحروب، فهو (ع) لا يخالف ما يدعو اليه القرآن الكريم من حثِّ الفرد على العفو على من ارتكبَ السوء بحقه، لأن العفو عند المقدرة من صفات الله العزيز القدير الذي يعفو عن عباده مع امتلاكه القدرة على الانتقام بأي صورة شاء، قال الله تعالى: (إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً)(النساء:149)، فأخلاقُ عليٍّ (ع) في الحياة أخلاقُ اللهِ ورسولهِ، قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(القلم:4)، فكان (ع) يعفو حتى عن قاتله حين كان على فراش الشهادة، قال (ع): (إنْ أبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمي، وإن أفْنَ فَالفَناء ُميعادي، وإنْ أعفُ فَالعَفوُ لي قُرْبَةٌ، وهُوَ لَكُم حَسَنَةٌ، فَاعفوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ)(نهج البلاغة محمد عبدة: ج3، ص24، ط مطبعة الاستقامة)، فهنا الإمام (عليه السلام) جعل العفوَ شكراً للهِ تعالى على قدرتِهِ على عدوِّهِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العِلْمُ عِلْمَان

قال أمير المؤمنين(عليه السلام):

(العِلْمُ عِلْمَانِ مَطْبُوعٌ وَمَسْمُوعٌ، وَلاَ يَنْفَعُ اَلْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُن المطْبُوعُ)(نهج البلاغة: الحكمة329)

ما المراد من تقسيم الإمام (عليه السلام) العلم إلى قسمين؟!

الجواب: قد يُقسَّم العلم إلى أقسام عديدة، ولكن الإمام (عليه السلام) قسَّمه إلى قسمين: المطبوع والمسموع ليُبيّن حقيقة أكيدة راسخة وهي أنّه: مرة يكون العلم بمجرد سماعه والاطلاع عليه وتصوره يرسخ في ذهن الانسان، وهذا ما يسمى بالمسموع، ومرة أخرى يحتاج إلى تطبيع الفكرة وتصديقها في الذهن وهذا ما يسمى بالمطبوع، ولا ينفع العلم المسموع اذا لم يكن مطبوعاً أي اذا لم يطبع في الذهن ولا يُتعقل بشكل واضح، ولذلك قد تضيع كثير من العلوم إذا لم تُدَوّن.

قال ابن أبي الحديد: (إذا لم يكن هناك أحوال استعداد لم ينفع الدرس والتكرار، وقد شاهدنا مثل هذا في حق أشخاص كثيرة اشتغلوا بالعلم الدهر الأطول فلم ينجع معهم العلاج، وفارقوا الدنيا وهم على الساذجية وعدم الفهم‌)(شرح نهج البلاغة: ج19، ص253).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العِلْمُ والعُلَمَاءُ

  السؤال: مَا مَعْنى كَلامِ أَميرِ المؤمنين (عليه السلام) لصاحبهِ كُميل في نهجِ البَلاغةِ: (يَا كُمَيلُ، النَّاسُ ثَلاثَةٌ: عَالِمٌ رَبَّانيُّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَـى سَبيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رُعَاعٌ، ... يَا كُمَيلُ! مَاتَ خُزَّانُ الأَمْوالِ وَهُمْ أَحْياءٌ، والعُلَمَاءُ بَاقُونَ ما بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيَانُـهُمْ مَفْقودَةٌ، وَأَمْثَالُهُمْ في القُلُوبِ مَوْجُودَة، هَا إِنَّ ههُنَا لَعِلْماً جَمَّاً ـ وَأَوْمَأَ إلى صَدْرِهِ بِيَدِهِ ـ لَمْ أَصِبْ لَهُ حَمَلَةً..). (نهج البلاغة: محمد عبدة: ج3، ص186).

  الجواب: يُبرزُ الإمام (عليه السلام) في كلامهِ فضيلةَ العلمِ والعلماءِ، فيقسّم الناسَ من حيث العلم إِلى ثلاثةِ أَقسامٍ، فيقول (عليه السلام): (عَالِمٌ رَبَّانيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَـى سَبيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رُعَاعٌ)، فالعالمُ الرَّباني هو  المنسوب إِلى الرَّب، وهو المتألّهُ العارف بالله، وقيل الرَّبَّانِيُّ: هو العَالِمُ الرَّاسِخُ فِي العِلم وَالدِّينِ (لسان العرب، ابن منظور: ج1، ص404)، والـ(مُتَعَلِّمٌ عَلَـى سَبيلِ نَجَاةٍ)، أَي: المتعلم على طريق النجاة إِذا أَتمّ عِلْمَه نجا، أَي: إِذا تعلّم جيداً نجا، و(هَمَجٌ رُعَاعٌ) الهَمَجُ: هم الحَمْقَى من النَّاس، والرُّعاع كسَحاب: وهم الأُحداث الطُّغام الذين لا منزلة لهم في الناس.(نهج البلاغة، محمد عبدة: ج3، ص186).

  فمعنى كلامِ الإمام (عليه السلام) هو حَثُّ النّاسِ إِلى التمسُّك بالعلماء؛ لإنّهم إِنْ ماتوا بقي علمُهم ومواقفُهم العظيمة في حفظ الدِّين والأُمّة والمجتمع، وأَصحابُ الأَموالِ هم أَمواتٌ بالحقيقةِ وإِنْ عاشُوا، ثم يشير (ع) إِلى غزارة علمه، فيقول: لم أَصِبْ لَهُ حَمَلَةً، أَي: لَوْ وجدتُّ لِلعلمِ حامِلِينَ لهُ لأَبْرَزْتُهُ وبثَثْتُهُ إِلى النَّاس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفقرُ والغنى اختبارٌ وامتحانٌ

السؤال: قد يتصوّر البعض أنَّه ليس هناك عدل في تقسيم الأرزاق، فيجعل اللهُ تعالى بعضَ النَّاسِ أغنياء وبعضهم فقراء، فهل يوجد كلام من نهج البلاغة على نفي هذا التصور مع بيانه؟ الجواب: إنَّ الله سبحانه عادل لا يجور، وهو مقسِّمُ الارزاق على العباد، وهذا التصور –وهو عدم تقسيم الارزاق بشكل عادل- منفيٌّ بكلام أمير المؤمنين(عليه السلام) في خطبته المعروفة بـ(خطبة الأشباح) في نهج البلاغة، حيث قال(عليه السلام) في مقطعٍ منها: (وَقَدَّرَ الأرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَقَلَّلَها، وَقَسَّمَهَا عَلَى الضَّيقِ والسَّعَةِ) (الخطبة:90)، أي جعل بعضهم أغنياء وبعضهم الآخر فقراء، ولرفع هذا التوهم والتصوّر الخاطيء من قبل البعض بيَّنَ الامام (عليه السلام) العلّةَ في ذلك، فقال(ع): (فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَمَعْسُورِهَا، وَلِيَخْتَبِرَ بِذلِك الشُّكْرَ وَالصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وفَقِيرِهَا)(الخطبة:90)، فالفقر والغنى اختبار وامتحان للعبد؛ فبالغنى يكون شاكراً لله، وبالفقر يكون صابراً عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القُرْآنُ فِي نَهْجِ البَلَاغَةِ

  السؤال: هل لَكم أَنْ تُبيّنوا لنا ما هُوَ مرادُ أَميرِ المؤمنين (عليه السلام) في ذكرِ بعضِ صفاتِ القرآنِ في نهجِ البلاغَةِ في قوله(عليه السلام): (وَتَعَلَّمُوا الْقرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ، وَتَفَقَّهُوا فِيهِ، فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ، وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ، وَأَحْسِنُوا تِلاَوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ). (نهج البلاغة: ط دار الكتاب اللبناني: ج1، ص164).

  الجواب: للقرآن الكريم نصيبٌ من كلامِ أَميرِ المؤمنين (عليه السلام) في نهجِ البلاغةِ، حيثُ جمعَ (ع) في عباراتهِ أَعلاه آياتٍ عديدةً من المصحف، تُبيِّنُ فضيلةَ وعظمةَ القرآنِ الكريمِ.

  فقوله(عليه السلام): (أَحْسَنُ الحَدِيثِ..) إِشارةً إِلى قوله تعالى: (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ) (الزمر:23).

   وأَمّا قوله(عليه السلام): (فإِنّهُ شِفاءٌ) إِشارةً إِلى قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإِسراء:82).

  وأَمّا قوله(عليه السلام): (شفاءُ الصّدور) إِشارةً إِلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَوْعِظَةٌ مِنْ رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس:57).

  وأَمّا قوله(عليه السلام): (أَنْفعُ القَصَصِ) أَي: أَحسنُها، وهو إِشارةً إِلى قوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) (يوسف:3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: (القَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ) نهج البلاغة، محمد عبدة: ج3، ص236

السؤال: ما هو تأثير القناعة على حياة الإنسان في كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)؟  

الجواب: يُشير الإمام علي (عليه السلام) إلى حقيقة واقعية مؤثرة في حياة الإنسان ألا وهي القناعة، ويُعبِّرُ(ع) عنها بأنها مالٌ لا ينفد أي لا ينتهي فهو مالٌ دائمٌ، ومُلْكٌ عظيمٌ، قال الإمامُ أميرُ المؤمنين (عليه السلام): (كَفَى بِالْقَنَاعَةِ مُلْكاً)(نهج البلاغة : الحكمة ٢٢٩).

فالإمام (عليه السلام) في كلامه أعلاه يدعو إلى الرضا بالميسور، والاكتفاء بالقليل، وعدم اللهفة وراء الكثير، لأنَّ التعوُّدَ على القناعة يؤدِّي بالإنسان إلى أنْ يكون عنده جدار قوي وصلب، يصدُّ به كل ما يطرأ عليه من صعوبات الحياة، ومتغيرات الأحوال من الفقر والغنى، والصحة والمرض، والوجاهة الاجتماعية وعدمها، والوِلْد وفقدانهم ونحو ذلك، فهو يعيش حياةً هادئةً مستقرةً طيبةً كما جاء في تفسير الآية الكريمة: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)(النحل:97)، بأنَّ الحياةَ الطيبةَ هي القناعة.

وقد ذكرَ ابنُ أبي الحديد تفسيراً للقناعة حيث قال: (.. أما القناعة فهي إلزام النفس الصبر عن المشتهيات التي لا يقدر عليها..)(شرح نهج البلاغة، ج19، ص54).

فالإنسان القنوع لا يتمنى ما عند غيره من الخيرات مهما بَلَغَتْ، قالَ الإمامُ الصادقُ(ع): (إقنَعْ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ، وَلاَ تَنْظُر إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِكَ،..، فَإِنَّهُ مَن قَنِعَ شَبِعَ، وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ لَمْ يَشْبَعْ)(بحار الأنوار: ج٧١ ، ص٣٤٨).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللِّسَانُ سَبُعٌ

السؤال: ما هو المراد من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: (اللِّسَانُ سَبُعٌ، إِنْ خُلِّيَ عَنْهُ عَقَرَ)(شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج18، ص196)، أو بعبارة أوضح: ما هي الآثار السيئة للِّسَانِ على حياة الانسان في دنياه؟

الجواب: إنّ الإمام (عليه السلام) قد وصف اللسان هنا وصفاً دقيقاً بما يتلائم مع وضع الانسان الدنيوي، وتأثيره على حياته، فباللسان يتواصل الانسان ويتفاهم مع الآخرين، فهو ذو حدين، فقد يستعمل للخير وقد يستعمل للشرّ، وإذا استُعْمِلَ للشرِّ يكون الانسان كالحيوان المفترس الذي يفترس الآخرين.

فتعبير الإمام (عليه السلام): (اللِّسَانُ سَبُعٌ، إِنْ خُلِّيَ عَنْهُ عَقَرَ) أي: إنْ تُرِكَ اللسانُ عَقَرَ أي عَضَّ وافترس الآخرين، فيدعو الإمام (عليه السلام) هنا إلى عدم استعمال اللسان للشر؛ لأنّ ذلك قد يؤدي إلى فتنٍ عمياء، وبالتالي يُقْتَلُ كثيرٌ من الناسِ بسببه، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (فِتنَةُ اللِّسانِ أشَدُّ مِن ضَربِ السَّيفِ)(بحار الأنوار، المجلسي: ج71، ص286).

فاللسانُ آلةٌ تُسيطرُ على عقولِ النَّاس السّذَّج، ويتصرف بها كيفما يشاء، وبالنتيجة تكون أكثر  المعاصي والذنوب والفتن من اللسان: قال الشيخ عباس القمي: (إنّ أكثر أنواع الكفر والمعاصي من جهة اللسان، لأن اللسان له تصرّف في كلّ موجود وموهوم ومعدوم، وله يد في العقليّات والخياليّات والمسموعات والمشمومات والمبصرات والمذوقات والملموسات)(سفینة البحار ومدینة الحکم والآثار: ج7، ص590).