القسم الثالث

شروط الشفاعة من القران والسنّة

السؤال: ما هي شروط الشفاعة من القران والسنّة؟

الجواب: إنّ الشفاعة مسألة ثابتة بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة، لكن لا يخفى بأن (للمشفّع لهم) شروط بحيث لا ينال الشفاعة الاّ الحائزين على هذه الشروط، والتي منها:

1- أن لا يكون الفرد من المشركين، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (شفاعتي نائلة إن شاء الله من مات ولا يشرك بالله شيئاً) (مسند احمد: ج2، ص426).
2- أن لا يكون من الكافرين، قال تعالى: (وَالَّذينَ كَفروا وَكَذَّبوا بآيَاتنَا أولَـئكَ أَصحَاب النَّار هم فيهَا خَالدونَ)(البقرة:39).
3- أن لا يكون من الظالمين، قال تعالى: (( ثمَّ قيلَ للَّذينَ ظَلَموا ذوقوا عَذَابَ الخلد هَل تجزَونَ إلاَّ بمَا كنتم تَكسبونَ) (يونس:52).
4- أن لا يكون من المنافقين، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً، يُصدِّق قلبُهُ لسانَه، ولسانُهُ قلبَه). (مسند أحمد: ج2، ص307و518).
5- أن لا يكون من النواصب، قال الامام جعفر الصادق (ع): (إن المؤمن ليشفع لحميمه إلا أن يكون ناصباً، ولو أنّ ناصباً شفع له كلُ نبي مرسلٍ، وملكٌ مقرّب ما شُفِّعوا) (ثواب الاعمال، الشيخ الصدوق: ص251).
6- أن لا يكون من الذين نسوا الدين، قال تعالى: (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) (الاعراف:53).
7- أن لا يكون من المكذبين بيوم القيامة، قال تعالى: (وَكنَّا نكَذّبُ بيَوم الدّين * حَتَّى أَتَانَا اليَقين * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)) (المدثر:46-48).
8- أن لا يكون من المكذبين بالشفاعة، قال الامام علي بن موسى الرضا (ع) ناقلاً عن علي (ع): (من كذَّب بشفاعة رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم تنلْهُ). (عيون أخبار الرضا: ج2، ص66).
9- أن لا يكون من المؤْذِين لأهل البيت (عليهم السلام)، قال الامام علي (ع): (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اذا قمت المقام المحمود تشفّعتُ في أصحاب الكبائر من أمّتى فيشفعني الله فيهم، والله لا تشفّعْتُ فيمن آذى ذريّتي). (أمالي الصدوق، الشيخ الصدوق: ص177).
10- أن لا يكون من الجاحدين بولاية أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال الامام جعفر الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى: (لَا يَملكونَ الشَّفاعَةَ إلَّا مَن اتَّخَذَ عندَ الرَّحمَن عَهدًا)(مريم:87)، (لا يشفع ولا يشفّع لهم ولا يشفعون إلا من أذن له بولاية أمير المؤمنين والائمة من ولده فهو العهد عند الله). (بحار الانوار، العلامة المجلسي: ج8، ص37).
وغيرها من الشروط...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صلاحُ الامة بصلحِ الامام الحسن(ع)

السؤال: ما هي الفائدة من صلح الامام الحسن (ع)؟ وهل توجد بعض النصوص على ذلك؟

الجواب: يظهر من مراجعة كلمات الامام الحسن (ع) التي أجاب بها على من اعترض عليه بعد الصلح أنه (ع) أراد صلاح الأمة الاسلامية، ـ كما أراد ذلك الامام الحسين (ع) عند خروجه على يزيد حيث قال: (وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي) ـ (حياة الامام الحسين، الشيخ باقر شريف القرشي: ج2، ص264) واليك بعض هذه النصوص :

1-ورد في وصية الامام الصادق (ع) لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول المعروف بمؤمن الطاق: (اعلم ان الحسن بن علي (ع) لما طُعِنَ واختلفَ الناسُ عليه سلَّم الأمر لمعاوية، فسلمت عليه الشيعة: عليك السلام يا مذل المؤمنين، فقال (ع): ما أنا بمذلّ المؤمنين ولكني معزّ المؤمنين، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوّة سلّمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم، كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها، وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم). (تحف العقول، ابن شعبة الحراني: ص224). فهذا النص وثيقة تاريخية صحيحة السند تامة الدلالة، فإن الشيعة سلّمت عليه سلام وداع لا سلام ابتداء، وهذا يعني أنهم في منتهى اليأس والقنوط، ولولا أن الإمام الحسن (ع) تداركهم بلطفه وعطفه فأبان لهم وجه الحكمة في المصالحة، وأنهم السبب في ذلك لأنهم ليس بهم على أهل الشام قوة فسلّم الأمر لمعاوية بقياً على نفسه وعليهم، وضرب لهم مثلا من القرآن الكريم بقصة العالم الذي خرقَ السفينة لتبقى لأهلها -كما في سورة الكهف- فهل بعد هذا النص ما يحتاج الى بحث في الجواب عن فائدة الصلح؟!!

2- قال رجل للإمام الحسن (ع): لِمَ هادنْتَ معاوية وصالحته، وقد علمتَ ان الحقَ لكَ دونه، وان معاوية ضال باغ؟ فأجابه الامام (ع): (علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل...). (حياة الامام الحسن، الشيخ باقر شريف القرشي: ج2، ص273).

3- وقال له آخر: بايعتَ معاوية ومعك أربعون الفاً، ولم تأخذ لنفسك وثيقة وعهداً ظاهراً، فقال له الامام(ع): (اني لو أردتُ ـ بما فعلتُ ـ الدنيا، لم يكن معاوية بأصبر منّي عند اللقاء، ولا أثبت عند الحرب منّي، ولكني أردت صلاحكم) (الفتوح، ابن أعثم: ج4، ص295).
4- وقال له ثالث: يا بن رسول الله لوددتُ أن أموتَ قبل ما رأيت، أخرجْتَنا من العدل الى الجور، فقال له الامام: (يا فلان... اني رأيت هوى معظم الناس في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم أحب ان أحملهم على ما يكرهون....). (الاخبار الطوال، أبو حنيفة الدينوري: ج1، ص220).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صلح الحسن وثورة الحسين (عليهما السلام)

السؤال: لماذا صالح الإمام الحسن (ع) وثار الامام الحسين (ع)؟ وهل يعتبر هذان العملان متناقضان ونحن نعلم أن الأئمة (عليهم السلام) معصومون؟
الجواب: قبل الاجابة نذكر مقدمة هي :
نحن نعتقد أن موقف الامام الحسن (ع) وموقف الامام الحسين (ع) واحد، فلا تعارض ولا تنافي بين موقفيهما (عليهما السلام)؛ بمعنى أنه لما كان موقف الامام الحسن (ع) هو الصلح مع معاوية كان موقف الامام الحسين (ع) ذلك أيضاً، وإلا لثار على معاوية وعارض أخاه الحسن (ع) على صلحه، بينما ينقل لنا التاريخ مساندته لأخيه الحسن (ع) ومعاضدته .
وهكذا لو قدّر الله تعالى أن يكون الامام الحسن (ع) حياً يوم عاشوراء لكان موقفه (ع) نفس موقف أخيه الحسين (ع)، ولا يرضى بالصلح مع يزيد.
وعلى أساس هذه العقيدة يتضح معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين إمامان قاما او قعدا. (بحار الانوار، العلامة المجلسي: ج43، ص291).
وأما الجواب فيكون من عدة وجوه -:
منها: ان شخصية معاوية تختلف عن شخصية يزيد، فمعاوية لم يكن يُشكّل خطراً جدّياً على الاسلام بمقدار ما كان يُشكّله يزيد، لانَّ معاوية كان يحافظ على بعض المظاهر الاسلامية، بينما كان يزيد متجاهراً بالفسق والفجور، وشرب الخمور، وقتل النفس المحترمة، ولم يراع أي شيء من المظاهر الاسلامية، وعليه فكان الصلح مع معاوية ممكناً دون الصلح مع يزيد .
ومنها: ان الامام الحسن (ع) قام بالثورة ضد معاوية ولكن خانه أكثر قادته، وباعوا ضمائرهم لمعاوية بإزاء أموال ومناصب حتى أن بعضهم كتب الى معاوية رسائل سرية قال فيها: ان شئت سلمناك الحسن حياً، وان شئت سلمناه ميتاً !فاضطر (ع) الى الصلح وترك الحرب لوجود هؤلاء الخونة، دون أخيه الحسين (ع) فقد وجد انصاراً واعواناً.
ومنها: ان الامام الحسن (ع) استشار الجموع الملتفّة حوله في الظاهر، والمتخاذلة عنه في السر بقوله: (الا وان معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزٌّ ولا نصفة، فان اردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه الى الله عزّوجلّ بظبا السيوف، وان اردتم الحياة قبلناه، واخذنا لكم الرضا...) (ترجمة الامام الحسن، ابن عساكر: ج1، ص179)، فناداه الناس من كل جانب: البقية.. البقية.. فساير (ع) قومه، واختار ما اختاروه من الصلح، فصالح كارهاً كما قَبِل أبوه (ع) التحكيم من قبْلُ وهو كارهٌ له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طلبُ الامامِ المعصومِ المغفرةَ من اللهِ

السؤال: إذا كان الامام معصوماً على رأي الشيعة أي لا يعصي الله، فكيف يطلب المغفرة من الله (عزوجل)؟

الجواب: قد عرَّفَ العلماء العصمة بهذا التعريف (مناهج اليقين في أصول الدين، العلامة الحلي: ج1، ص424): هي لطف يفعله الله تعالى بالمكلف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية، وترك الطاعة مع قدرته عليهما، وقد منَّ الله تعالى على بعض عباده بهذا اللطف منذ ولادتهم وحتى مماتهم وهم الانبياء والائمة (عليهم السلام)، لأنه أراد ان يكونوا قدوة للناس وقادة، فلو عهد من النبي أو الأمام في بعض عمره نسيان أو سهو لارتفع وثوق الناس بما يخبر به، ولو عهد منه خطيئة لنفرت العقول من متابعته، فتبطل فائدة البعثة والامامة.

وما ورد في كلام الائمة (عليهم السلام) وادعيتهم ومناجاتهم مما يشعر بصدور المعصية وطلب المغفرة من الله (عزوجل) فيمكن توجيهُهُ بما يلي :
1- إنها خطابات تعليمية لأتباعهم وشيعتهم لإفاضة روح التعليم والتأدب .
2- ليست الغواية من الشيطان فقط بالإيقاع في المعاصي حتى يقال إنّ هذا يتعارض مع العصمة، بل في كل طرق التكامل فان الشيطان يريد ان يبعد الانسان عن الدرجات الافضل والاعلى، حتى لو لم يوقعه في المعصية، بل إن محاولة الشيطان فقط يصدق عليها الاغواء، وإنْ لم تصدر من العبد معصية .
3- إنّ نسبة الخطيئة من قبل المعصوم الى نفسه دليل على أنّ المراد بالخطيئة غير المعصية بمعنى مخالفة الامر المولوي (تفسير الميزان، الطباطبائي: ج15، ص285)، فان الخطيئة والذنب مراتب تتقدر حسب حال العبد في عبوديته، كما قال بعض العارفين: (حسنات الابرار سيئات المقربين)، فتنزيلُ العبدِ نفسَه منزلة المقصِّر بحقِّ الله تعالى نوع من الإقرار بالعبودية، والخضوع له (عزوجل)، وإنَّ ما فيه من مقتضيات العصمة إنّمَا هي من فضله وكرمه، وهو من أدبِ الخطاب مع الباري (عزوجل).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طَلَبُ الشّفاءِ والرّزقِ مِنْ غَيْرِ اللهِ(عزوجل)

السؤال: يعترضُ البعضُ بأنَّ الحوائجَ -ومنها الشّفاء والرّزق- لا يجوز طلبُها مِنْ غَيرِ اللهِ؟ فهل يصحّ هذا الكلام؟

الجواب: إِنَّ القاضي للحوائجِ هو الله(سبحانه)، ومن الممكن أن يعطي الله عزوجل قُدرةَ التصرُّفِ في بعْضِ الأُمُور التّكوينيّة بيَدِ الأنبياءِ(عليهم السلام) أو الأوصياءِ(عليهم السلام)، لقُرْبِهم مِنْهُ تعالى، فَيَكونُونَ همْ منْ يَقْضِي الحَوائِجَ، ولكنْ بإذنِ اللهِ تعالى.

رَوى الطّبَراني أنَّ رَجُلاً كانَ يخَتلِفُ إلى عُثْمَان بنِ عَفَّان زَمنَ خِلافَتِهِ في حَاجَةٍ، فكانَ لا يَلتَفت إليهِ ولا يَنظر في حَاجَتِهِ، فَشَكَى ذلكَ لعُثمان بنِ حُنَيف، فَقَالَ لَهُ إئتِ الميضَاةَ (محل الوضوء) فتَوضّأ، ثم أتِ المسْجِدَ فَصَلِّ، ثمَّ قُلْ: اللّهمّ إنّي أسْألُكَ وأتوجّهُ اليكَ بنَبِيِّنَا محمّدٍ (صلى الله عليه وآله) نبيّ الرحمةِ، يا محمّدُ إنّي أتوجَّهُ بِكَ إلى رَبّي لتَقْضيَ حَاجَتي، وتَذكُر حاجَتَكَ، فانطَلَقَ الرَّجُلُ، فصَنَعَ ذلكَ، ثمّ أتَى بابَ عُثْمَان فجَاءهُ البوّابُ، فأَخَذَهُ بيَدِهِ فأدخَلَهُ عَلَى عُثْمان، فأجْلَسَهُ مَعَهُ، وقَالَ أذْكُرْ حَاجَتَكَ، فَذَكَرَ حاجَتَه فقَضَاهَا.(المعجم الصغير، الطبراني: ج1، ص183).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عِصمَةُ الأنْبياءِ عَن الخَطَأ

السؤال: هل أنّ الأنبياءَ (عليهم السلام) معصومون من الخطأ والزلل، أي أنهم لا يخطؤُون ولا يشتبهون؟

الجواب: نحن نعتقد أنّ الأنبياء (عليهم السلام) معصومون عن الخطأ والزلل، وهذه العصمة سواء كانت في تلقّي أحكام الشريعة عن الله تعالى أو في تبليغها الى الناس، والكل متفقون على عصمتهم(عليهم السلام) في التبليغ، بل نحن نقول إنهم معصومون عن الخطأ والزلل في  الأفعال الفردية أيضاً.

ومن الآيات التي دلت على عصمة الانبياء من الخطأ والاشتباه قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيداً)(البقرة:143)، فَنَبِيُّنَا الاكرمُ (صلى الله عليه وآله) شاهد على العباد وكذلك الانبياء (عليهم السلام)، وإنّ الشهادة هنا ليست على صور أعمال وأفعال العباد، بل المشهود عليه هو حقائق أعمالهم من الإيمان والكفر والنفاق والرياء والإخلاص، فهذه الحقائق من الصعب على الانسان غير المعصوم تشخيصها وتعيينها ومعرفتها، قال الشيخ جعفر سبحاني: (ومن المعلوم أنّ هذه المشهودات لا يمكن تشخيصها والشهادة عليها عن طريق الحواس الخمس لأنها لا يمكنها أنْ تستكشف حقائق الأعمال وما يستبطنه الإنسان فيجب أن يكون الأنبياء مجهزين بحس خاص يقدرون معه على الشهادة على ما لا يدرك بالبصر ولا بسائر الحواس، وهذا هو الذي نسميه بحبل العصمة وكل ذلك بأمر من الله سبحانه وإذنه، والمجهز بهذا الحس لا يُخطيء ولا يسهو)(الإلهيات: ج3، ص196).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عِصْمَةُ الأنْبيَاءِ مِنْ كُلِّ معْصِيَةٍ

السؤال: ما هو الدليل على أنَّ الأنبياءَ (عليهم السلام) معصومون؟

الجواب: إنَّ الأنبياءَ (عليهم السلام) معصومون من المعاصي والزلل والذنوب، وإنّ عصمتهم أمرٌ قد أكّده القرآنُ الكريمُ في آيات مختلفة، نورد هنا بعضها:

منها: قوله تعالى: (وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراط مُسْتَقيم)(الانعام: 84-87)، حيث يعتبر الاَنبياءَ أشخاصاً مهدِيّينَ ومختارين من قِبلِ الله تعالى، هذا من جانب.

ومن جانب آخر نرى أنّه سبحانه يُصرِّح بأنّ مَنْ شَملته الهداية الإلهية لا مُضلَّ له، فيقول: (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِل)(الزمر: 37)، وكل معصية ضلالة، فهي لا تصدر من المهتدين.

يقول الشيخ جعفر سبحاني:

(وبملاحظة هذه المجموعة من الآيات تظهر عصمة الأنبياء (عليهم السلام) بوضوح، وتوضيح ذلك: أنّه سبحانه يصف الأنبياء (عليهم السلام) في الآيات أعلاه بأنّهم المهديون، وبأنَّ من شملته الهداية الإلهية لا مضل له، وبأنّ العصيان نفس الضلالة، فإذا كان الأنبياءُ (عليهم السلام) مهديين بهداية الله سبحانه، ومن جانب آخر لا يتطرق الضلال إلى من هداه الله، ومن جانب ثالث كانت كل معصية ضلالة، يستنتج أنّ من لا تتطرق إليه الضلالة لا يتطرق إليه العصيان، وهو المطلوب) (عصمة الأنبياء: ج1، ص47 بتصرف).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عصمة أهل البيت (عليهم السلام) من القرآن الكريم

السؤال: تقول الشيعة الامامية بعصمة أهل البيت، فهل توجد أدلة من القران الكريم على هذه العصمة؟

الجواب: توجد الكثير من الآيات القرآنية على عصمة أهل البيت من أصحاب الكساء والأئمة الإثنى عشر (عليهم السلام)، نذكر أهمها:-

أولاً: قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).(الاحزاب:33). هذه الآية نزلت في أصحاب الكساء وهم: رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين). (جامع البيان، الطبري: ج6، ص22)، ومعنى الآية: إنّ إذهاب الرجس من الله تعالى عن النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) وتطهيرهم يدل على العصمة لهم جميعاً، حيث لا يمكن إذهاب الرجس والتطهير الكلي لبعض دون بعض والتمايز بينهم.

ثانياً: قوله تعالى: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ). (آل عمران:61). هذه الآية الشريفة نزلت في حق أصحاب الكساء الخمسة (صلوات الله عليهم أجمعين) بإجماع علماء الفريقين حيث جعلت علياً (ع) نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) والرسول معصوم بالاتفاق، اذن علي (ع) كذلك. (التفسير الكبير، الرازي: ج8، ص85).

ثالثاً: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ..). (النساء:59). والمراد من أولي الامر في الآية الشريفة هم الائمة الإثنى عشر من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين). وهذه الاية دلّت على عصمة اولي الأمر، بدليل أنّ طاعتهم مقرونة بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله)، والطاعة لا تكون إلا لذوي العصمة والطهارة. (تفسير البحر المحيط، أبو حيّان الاندلسي: ج3، ص278).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عصمةُ أهلِ البيتِ(عليهم السلام) مِنْ كُتبِ أهلِ السنّة

السؤال: ما هي الأدلة على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) من كتب أهل السنة الذين يقولون بعدم عصمتهم؟

الجواب: الادلة الدالة على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) من السنة الشريفة كثيرة جداً، نذكر حديثين منها:-
1- قال عبد الله بن عباس: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (أهل بيتي أمان لاهل الارض، كما ان النجوم أمان لاهل السماء، قيل: يا رسول الله الائمة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم، الائمة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، أُمَناء معصومون، ومنّا مهدي هذه الامة...). (فرائد السمطين،  الحمويني: ج2، ص133، ح430).

2- قال جابر بن عبد الله الانصاري: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شكاته التي قبض فيها، فإذا فاطمة (عليها السلام) عند رأسه، فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله طرفه اليها فقال: حبيبتي فاطمة، ما الذي يبكيك؟ قالت: أخشى الضيعة من بعدك، قال: يا حبيبتي لا تبكين، فنحن أهل بيت، أَعطانا الله سبع خصال، لم يعطها أحداً قبلنا، ولا يعطيها أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين،……، ومنّا سبطا هذه الامة، وهما ابناكِ الحسن والحسين، وسوف يخرج الله من صلب الحسين تسعة من الائمة، أُمناء معصومون، ومنّا مهدي هذه الامة (... روى هذا الحديث من علماء السنة: (ابن عساكر في تاريخ دمشق: ج1، ص239، ح303 (و(الطبراني في المعجم الكبير: ص135) وغيرهم كثيرون.

ومن الملاحظ في هذين الحديثين أنّ كلمة العصمة نفسها قد ذكرت فيهما، مما يدلّ صريحُ كلامِ النبي (صلى الله عليه وآله) على عصمة أهل بيته (عليهم السلام).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عقيدتنا في البَدَاء

السؤال: ما معنى البداء، وما هو رأي الشيعة به؟

الجواب: البداء في اللغة: الظهور بعد الخفاء .
والبداء في الاصطلاح: ظهور شيء بعدما كان خافيا على الناس .
والشيعة الامامية تعتقد بالبداء وأنه من المسلّمات وقد حثّت روايات أهل البيت (عليهم السلام) على الاعتقاد به وهي روايات كثيرة منها:

1- قال الامام الصادق (عليه السلام): (ما عُظِّم اللهُ بمثل البداء). (شرح أصول الكافي/المازندراني/ج4/ ص236 ) .
2- قال الامام الصادق (عليه السلام): (لو علم الناس ما في البداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه). (شرح أصول الكافي/المازندراني/ج4/ص247 ) .
اما المعنى اللغوي للبداء فهو كثيرا ما يحصل للإنسان قال تعالى: (وبدا لهم سيئات ما كسبوا( (الزمر:48) أي ظهر لهم ما كان خافيا عليهم سيئات ما كسبوا، وهذا المعنى لا يتصور في حق الله عز وجل لانه يلزم الجهل عليه، وقد اتفقت الشيعة الإماميّة على انّه سبحانه وتعالى لا يجهل شيئا بل هو عالم بالحوادث كلها غابرها وحاضرها ومستقبلها، لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء فلا يتصور فيه الظهور بعد الخفاء ولا العلم بعد الجهل بل الاشياء دقيقها وجليلها حاضرة لديه.

قال تعالى: (إنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) (آل عمران:5)، وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (كل سر عندك علانية وكل غيب عندك شهادة). (نهج البلاغة  الخطبة105).

وأما البداء في الاصطلاح فيمكن نسبته الى الله تعالى ولا يلزم منه الجهل، فعندما يقال: بدا لله تعالى بمعنى أظهر ما كان خافيا على الناس، لا ما كان خافيا عليه؛ لأنّ الآيات والاحاديث دلّت على أنّ بعض الأفعال كالصدقة والاحسان وصلة الارحام وبر الوالدين والاستغفار والتوبة وشكر النعمة وأداء حقّها الى غير ذلك من الامور تغيّر المصير وتبدل القضاء وتفرّج الهموم والغموم وتزيد في الارزاق والأمطار والاعمار والآجال، والعكس بالعكس بالنسبة الى الاعمال السيئة.
ويدل على هذا التغيير من الآيات قوله تعالى: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم)(الرعد: 11) .

ومن الاحاديث الشريفة:
1- قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له: (أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء) فقام اليه عبد الله بن الكواء اليشكري فقال: يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء؟ فقال: (نعم ويلك قطيعة الرحم). (الوافي/الفيض الكاشاني/ج5/ص917)
2- قال الامام الصادق (عليه السلام): (إن الدعاء يرد القضاء وإن المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق) (قرب الاسناد/ص24).
ولتوضيح ذلك نقول:
المقدرات الالهية على قسمين:
1- مقدّر محتوم لا يتغير وهو موجود في اللوح المحفوظ وعبّرت الآية المباركة عنه بأمّ الكتاب: (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب ((الرعد 39)، وهذا القسم لا بداء فيه ولا تغيّر.
2- مقدّر معلّق قابل للتغيير غير محتوم موجود في لوح المحو والاثبات وأشارت الآية السابقة إليه: (يمحوا الله ما يشاء ويثبت)، وهذا هو ما يتصوّر فيه البداء.

اذن المراد من البداء هو تغيير المقدّر بالأعمال الصالحة أو الطالحة، ولا يخفى هنا ان الله سبحانه يعلم كلا التقديرين .
والخلاصة: البداء من الله هو اظهار ما خفي على الناس، والبداء من الناس بمعنى ظهور ما خفي لهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عليٌ (ع) وشيعتُه خيرُ البرية

السؤال: لماذا علي ابن أبي طالب(ع) وشيعته خيرُ البرية؟

الجواب: نشأ الاختلاف في أمّة محمد (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته، فقال قومٌ بأن الإمامة والخلافة بعد الرسول بالنص والتعيين من الله (عزوجلّ)، يعني نصّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على شخص بعينه ليكون الخليفة والامام بعده، وهذا الشخص المنصوص عليه هو الامام علي (عليه السلام)، فنصّ عليه القرآن الكريم أولاً في آيات عديدة، منها: آية التصدّق بالخاتم، وآية التطهير، وآية المباهلة، وآية الإنذار، ونص عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثانياً في أحاديث كثيرة، منها: حديث الغدير، وحديث الثقلين، وحديث المنزلة، وحديث الطائر المشوي، وحديث الولاية، وو...، كلها تنص على إمامته، فمن تابع علياً (ع) وقال بإمامته بعد الرسول بلا فصل، فهم الشيعة، أي شايعوا علياً (ع) وتابعوه واتبعوه، فكان هو (ع) وهمْ خيرُ البرية.
وسنذكر بعض الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حول علي (ع) وشيعته من مصادر أهل السنة:
1- روى الكثير من مفسري أهل السنة وعلماء الحديث عندهم في تفسير قوله (تعالى) في سورة البينة: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (البينة:7)، قال الرسول (صلى الله عليه وآله) لعلي (ع): (هم أنت وشيعتك...). (الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي: ج1، ص573).
2- وقال (صلى الله عليه وآله) لعلي (ع): (أنت وشيعتك في الجنة) (تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ج23، ص55).

3- وقال (صلى الله عليه وآله) لعلي (ع): (إنك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين). (النهاية، ابن الأثير: ج4، ص106).
4- وقوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (ع): (يا علي، إن الله قد غفر لك، ولذريتك، ولوِلْدك، ولأهلك، ولشيعتك، ولمحبي شيعتك). (الصواعق، إبن حجر: ص161و232 و235).
5- وقال (صلى الله عليه وآله): (يا عليّ، إن أول أربعة يدخلون الجنة: أنا، وأنت، والحسن، والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا) (المعجم الكبير، الطبراني: ج1، ص319، ح950).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

علي (ع) وعلم الغيب

السؤال: يقول الشيعة ان ائمتهم يعلمون علم الغيب، فكيف قتلَ عبدُ الرحمن بن ملجم علياً؟ ألا يعلم أنه سيقتله في محرابه؟

الجواب: نرى من الضروري التمييز بين مصطلحين: علم الغيب، وتعلّم الغيب من عالِم الغيب.
فالاول: -يعني علم الغيب- هو من مختصات الله سبحانه ((وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو))[الانعام:59]، فالله سبحانه عالم بالغيب بالعلم الذاتي والتفصيلي والاستقلالي والفعلي.

وأما الثاني: -اعني تعلّم الغيب من عالم الغيب- فيمكن ثبوته لغير الله سبحانه كالانبياء والرسل والائمة والاولياء الصالحين ويُطلعهم على الغيب، قال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احداً الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً) [الجن:27،26].

وهذا القسم الثاني علمٌ بالغيب، ولكنه ليس استقلالياً ولا ذاتياً ولا فعلياً بالنسبة لغير الله، فهو  سبحانه يعلّم الأنبياء والائمة بواسطته ولطفه وعنايته.

فأما انه ليس إستقلالياً، فهذا ما أشار اليه الامام علي (ع) في نهج البلاغة: عندما  كان أمير المؤمنين (ع) يُخبر عن الحوادث المقبلة -وهو يتصور هجوم المغول على البلاد الإسلامية- فقال له أحدُ أصحابه: يا أمير المؤمنين هل عندك علم الغيب؟ فتبسّم أمير المؤمنين (ع) وقال: (لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْب، وَإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي عِلْم، وَإِنَّمَا عِلْمُ الْغَيْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَمَا عَدَّدَهُ اللهُ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الاْرْحَامِ...) لقمان:34 ... فَهذَا عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلاَّ اللهُ، وَمَا سِوَى ذلِكَ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللهُ نَبِيَّهُ فَعَلَّمَنِيهِ، وَدَعَا لِي بِأَنْ يَعِيَهُ صَدْرِي، وَتَضْطَمَّ عَلَيْهِ جَوَانِحِي).(نهج البلاغة: ج1، ص186، الخطبة 128، ط دار الكتاب اللباني).

وأما انه ليس فعلياً، فهو أنّ الله تعالى يعلم بكل أسرار الغيب، وأمّا الأنبياء والأولياء فإنّهم لا يعلمونها كلّها، ولكنّهم إذا ما شاءوا ذلك أعلمهم الله تعالى بها فعلاً، وهذه الإرادة لا تتمّ إلّا بإذن الله تعالى، حيث نقل في الكافي عن الإمام الصّادق (ع) انه قال: (إذا أراد الإمام أن يعلم شيئا أعلمه الله ذلك). (الكافي، الكليني: ج1، ص258، ح3، ط الاسلامية).

وهذا المعنى الثاني من علم الغيب يحلّ الكثير من الإشكالات المتعلقة بعلم النّبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم‌السلام)، ومنها  السؤال أعلاه حيث ان أمير المؤمنين (ع) يعلم ليلة مقتله بإخبار من النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان يردد (ع) فيها: هي هي والله الليلة التي وعدنيها حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويعلم من هو القاتل، ولكن في مثل هذا المورد اخفى الله تعالى عليه الساعة التي يُقتل فيها، وما كان يُسمح له (ع) معرفة اسرار الغيب في هذه الحادثة، بالإضافة الى انه حتى لو علم الإمام (ع) بساعة مقتله فلا يجوز الاقتصاص قبل الجناية كما هو بيّن ذلك (ع) لأحد اصحابه.

وبهذا نخرج بهذه النتيجة وهي: انه لا يوجد أي محذور في ثبوت الغيب لائمة أهل البيت (عليهم السلام) بالمعنى الثاني من علم الغيب.

المصادر: 1- مركز الأبحاث العقائدية بتصرف. 2- تفسير الأمثل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج19، ص108-115 بتصرف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فَاطِمَةٌ (ع) مُحَدَثَّةٌ

السؤال: ما معنى أنّ فاطمةَ (ع) محدثَّة؟

الجواب: المحدَّثُ مَنْ تُكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة، أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام، أو يُنكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره، أو غير ذلك من المعاني... (الغدير، الاميني: ج٥، ص٤٢).

إنَّ من أسماء فاطمة الزهراء (عليها السلام) المحدَّثة، أي أن الملائكة كانت تحدِّثُها بعد وفاة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا ليس ببعيد، حيث نقل لنا القرآن الكريم نماذج من النساء تحدّثت الملائكة معهن، وهنَّ لسنَ بنبيّات ولا وصيّات، وإنما كنّ وليّات من أولياء الله، كمريم بنت عمران (عليها السلام)، قال تعالى: (وَإِذْ قالَتِ الْملائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفاكِ وَطهَّركِ وَاصْطَفاكِ عَلى‏ نِساءِ العَالمَينَ)(آل عمران: 42).

عن إسحاق بن جعفر قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاكِ وطهّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين ـ إشارة إلى الآية اعلاه ـ فتحدّثهم ويحدّثونها..)(البحار، المجلسي: ج43، ص78).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلمات أكابر علماء المسلمين في جواز زيارة القبور

السؤال: هل من الممكن استفادة جواز زيارة القبور من كلمات علماء المسلمين؟

الجواب: نعم؛ يمكن ان نستدل من تصريح أكابر فقهاء الأمة الإسلامية من الفريقين على جواز زيارة القبور، بل استحبابها، ومنها قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقبور الائمة (عليهم السلام)، واليك بعض كلمات علماء المسلمين:

أولاً: قد خصّ الإمام السبكي الشافعي في كتابه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام: باب5، ص179-209) باباً لنقل نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، ومنها: (قال أبو الحسن أحمد بن محمد المحاملي الشافعي المتوفّى 425هـ: ويستحب للحاج إذا فرغ من مكة أن يزور قبر النبي(صلى الله عليه وآله)).

ثانياً: نقل الشيخ جعفر السبحاني في كتابه الوهابية هذا القول: (قال القاضي عياض المالكي المتوفّى 544هـ: وزيارة قبره (صلى الله عليه وآله) سنّةٌ مجمعٌ عليها، وفضيلةٌ مرغّبٌ فيها). (الوهابية بين المباني الفكرية والنتائج العملية، الشيخ جعفر السبحاني: ج1، ص161).

ثالثاً: قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه (منهج الرشاد: ج1، ص77): (والأصل في بناء القباب وتعميرها، ما رواه البنّاني -واعظ أهل الحجاز- عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين، عن أبيه علي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: والله لتقتلن في أرض العراق، وتدفن بها، فقلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها، فقال لي: يا أبا الحسن إن الله جعل قبرك وقبر وَلَدَيك بقاعاً من بقاع الجنة، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه، وصفوة من عباده تحن إليكم، ويعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتها، تقرباً الى الله تعالى، ومودةً منهم لرسوله، يا علي من عمّر قبوركم وتعاهدها، فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا تَشُقِّي عَلَيَّ جَيْبَاً

السؤال: قال الحسين (ع) لأُخته زينب (عليها السلام) في كربلاء كما نقله الشيخ المفيد في الإرشاد ج2، ص94: (يا أُخيّةُ إِنِّي أقسمتُ فأبِرِّي قَسَمي، لا تَشُقِّي عليَّ جيباً، ولا تَخْمشي عليَّ وجهاً، ولا تَدْعِي عليَّ بالويلِ والثّبورِ إِذا أنا هلكتُ)، فلماذا تندبون وتصرخون في ذكراه؟ ألا يعدّ هذا عصياناً للحسين (ع)؟

الجواب: ينبغي ملاحظة بعض الأُمور في هذا الحديث، وهي:
 1-إنّ الحديث ضعيف، فهو ليس بحجّة من حيث السند.
 2-ليس كلّ نهي يدلّ على الحرمة؛ فإنّه كما يوجد النهي التحريمي يوجد النهي التنزيهي، ويمكن أن يكون طلب الإمام الحسين(ع) لأُخته زينب(عليها السلام) عدم شقّ الجيب من باب الشفقة، أو من باب عدم الوقوع في شماتة الأعداء، ومع عدم وجود الدليل على تعيين أحد المحتملات، فلا مجال لإثبات الحرمة التكليفية من الحديث.
3-ولو سُلِّمَ؛ فإنّ الحديثَ لم ينهَ عن البكاء على الحسين(ع)، فلعله نهى عن الأُمور الثلاثة دون غيرها وبالتالي لا تَنَافيَ في البين.
4-إنّ الحديث أعلاه معارَضٌ بما ورد عندنا بالسند الصحيح عن الإمام الصادق(ع): (كُلُّ الجَزَعِ وَالبُكاءِ مَكروهٌ، سِوَى الجَزَعِ وَالبُكاءِ عَلَى الحُسَينِ (ع)، فَإِنَّهُ فيهِ مَأجورٌ)(الأمالي، الشيخ الطوسي: ص162،  ح268)، فهذا الخبر الصحيح مقدّمٌ على حديثكم الضعيف أعلاه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لَا رِيَاءَ في الشَّعَائِرِ الحُسَيْنِيَّةِ

السؤال: هل أنّ التظاهرَ بأنِّي أخدمُ الامامَ الحسينَ (عليه السلام) من خلالِ الإعلانِ أمامَ النَّاسِ أو في وسائلِ التواصلِ الاجتماعي يعتبرُ رياءً وبالتالي يبطلُ عملي؟

الجواب: ليسَ كلُّ تظاهرٍ رياءً مبطلاً للعملِ، بل إنَّ الرياءَ أو الإخلاصَ أمرٌ قلبيٌّ بمعنى: هلْ أنَّ الانسانَ يأتي بالعملِ بقصدِ إرائة النَّاسِ للنَّاسِ أو للهِ (عزوجل)؟!! وبما أنَّ الشعائر الحسينية هي حالة إعلان وإظهار الحزن على الإمام الحسين (عليه السلام) فيمكن أنْ يتظاهرَ الانسانُ بهذه الشعائر مع قصد التقرب إلى الله تعالى، ويكون التظاهر نوعاً من تعظيم الشعائر، فبَدَلاً منْ أنْ يلطمَ في دارهِ على الإمام الحسينِ (ع) لوحدِهِ يأتي إلى المسجد أو الحسينية ويلطم أمامَ النَّاسِ حتّى يرغِّبَهُم على أمْرٍ محبوبٍ لله تعالى ولأهلِ البيتِ (عليهم السلام)، فهذا العمل لا ينافي قَصْدَ القربةِ، وقد وردَ في الصدقة الواجبة (الزكاة) استحباب إعطائها علناً وأمام النَّاس لكي يُحِثَّ الناسَ عليها بخلافِ الصدقةِ المستحبةِ فإنَّه يستحبُ إخفاؤُها.

ونحن إذ نقول: لا رياءَ في الشعائر الحسينية فالمقصود: أنَّ الشعائرَ الحسينيةَ لما كانت مبنيةً على الإعلامِ والاظهارِ فمجرد الاظهار لا يعني أنَّ العملَ صارَ رياءً، بل يتوقف حصولُ الرياءِ على نيةِ العاملِ بالشعائر الحسينية، فانْ كانَ مقصودُهُ القربةَ إلى الله سبحانه كانَ عملُهُ خالصاً، وإنْ كانَ مقصودُهُ النَّاسَ صارَ العملُ رياءً وباطلاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مراسِمُ العَزاءِ الحُسَيْنِي

السؤال: هل صحيح أن كثيراً من مراسم عزاء الإمام الحسين(ع) مأخوذة من مراسم المسيحية، (مثل النعش الرمزي، وتمثيل المعركة، ومظاهر إيذاء النفس)؟

الجواب: هذا القول ليس بصحيح، ببيان: إنّ أَشكال وأَنماط الطقوس عند شعوب العالم - سواء كانت عزائية أو غيرها - تدخل في خانة التراث لهذه القومية أو تلك، وأنّ التلاقح والتزاوج بين الأقوام في مثل هذه الطقوس بشكلها الخارجي، مع اختلاف قليل نابع من طبيعة كلّ شعب أو قوميّة، وهو أمر ثابت في علمي التاريخ والإجتماع، ولكن هذا ليس له علاقة بالعقيدة، وهنا نقول:

أوّلاً: نحن ننكر وجود التشابه التام أو الغالب، نعم هناك نقاش في بعض الشعائر التي يظهر منها التشابه في عيون البعض، بأنّ إرجاعه إلى أصل واحد لا يعدو كونه دعوى من قبل المستشرقين من دون دليل، واتّبعهم بعض الكتّاب المدفوعين بأغراض مذهبية لا تخفى.

ثانياً: إنّ هذا التشابه المدّعى لو سلّم لا يلازم الارتباط العقيدي من نوع ما، بل أكثر ما يدلّ على وجود تداخل وتعايش بين قوميتين أو ديانتين.

ثالثاً: إنّ أوجه التشابه المدّعاة (النعش الرمزي، وتمثيل المعركة، وإيذاء النفس) لا تنحصر في ديانة أو قومية معيّنة، إذ إننا نجد لها جذوراً مشابهة حتّى عند الديانات القديمة.

فالنتيجة: يبقى النقاش في أصل ما ترمز له هذه الطقوس والمقدّسات في كل مجتمع، هل هو حقّ أو باطل؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروعية البناء على القبور

السؤال: هل يجوز إعمار قبور المؤمنين وقبور الأنبياء والائمة (عليهم السلام) والبناء عليها؟

الجواب: إنّ البناء على قبور الأنبياء والأولياء ليس فيه محذور أو نهي صحيح يمنع منه، وقد حكم أئمةُ المسلمين من كل المذاهب بجواز البناء على القبور.

والأدلة على ذلك كثيرة، نذكر منها:

أولاً: الكتاب الكريم، فقد ذكر (تعالى) قصة أصحاب الكهف وتخصيص قبرهم كمزار ومسجد يُعبد ويُذكر فيه الله (عزوجل) دون إنكار، فقال (تعالى): (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمرِهِم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا). (الكهف:21)، أخبرنا الله تعالى عن المؤمنين الذين قررّوا أن يتّخذوا من مضجع الفتية المؤمنة مسجداً يسجدون لله (سبحانه) فيه، ويعبدونه وهم مؤمنون وليسوا بمشركين، ولم يذمّهم الله تعالى على ذلك، ويرى اكثرُ مفسري الاسلام أنّ معنى (الذين غَلبوا) هم المؤمنون المسلمون الموحدون، وممّا لا شك فيه أنّ شأن الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) أرفع شأناً من أولئك الفتية، فإذا جاز بناء قبورهم، فبالأولى جواز بناء قبور الأنبياء والأئمة (عليهم السلام).

ثانياً: السنة النبوية: ما رواه (البيهقي في سننه: ج3، ص411) من أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) وضعَ بنفسه على قبر ابنه إبراهيم حصباء من حصباء العرصة. (والحصباء: ما صغر من الحصى، والعرصة: عرصة الوادي وهي كل جوبة منفتقة يجمع السيل فيها الحصى الصغار). (الزاهر في غريب الفاظ الشافعي، محمد بن احمد الازهري: ج1، ص92).

ثالثاً: إقرار النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة على البناء دليل قاطع على جوازه، فإنه (صلى الله عليه وآله) أقرّ هو وأصحابه على بناء حِجْر إسماعيل (ع) الموجود حول الكعبة المشرّفة على شكل نصف قوس بين الركن العراقي والركن الشامي، ولم يأمروا بهدمه، مع أنه مدفن نبي الله إسماعيل (عليه السلام) وأمّه هاجر، وهكذا إقرارهم على بناء قبر النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وأيضاً إقرار الصحابة على دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحجرة التي توفّي فيها، وهي مشيّدة بالبناء، ودفن الخليفة الأول والثاني فيها من بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، ولم يأمروا بهدمها، بل العكس أمروا بإعمارها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروعية زيارة القبور في السنّة الشريفة

السؤال: ما هي الأدلة على جواز زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقبور الائمة (عليهم السلام) والمؤمنين من كتب أهل السنّة؟

الجواب: إنّ زيارة قبور الاموات والصالحين والانبياء وخصوصاً نبيّنا (صلى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) مشروعةٌ بالاتفاق، بل هي مستحبة، والأدلة على ذلك كثيرة، نذكر منها:-
أولاً: إنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) جسّد بعمله مشروعية زيارة القبور - مضافاً إلى أنه أمر بها - وعلّم كيفيتها وكيف يتكلم الانسان مع الموتى، فقد ورد في غير واحد من المصادر أنه (صلى الله عليه وآله) زار البقيع، منها ما رواه مسلم عن عائشة انها قالت: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلما كان ليلتها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنّا إن شاء الله (تعالى) بكم لاحقون، اللّهم اغفر لأهل بقيع الغرقد). (صحيح مسلم: ج2، ص669). وغير ذلك من الآثار النبوية الحاثّة على زيارة القبور التي ذكرها أئمةُ علماء المسلمين كالنسائي والترمذي والذهبي وغيرهم.

ثانياً: قد تضافرت الأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام) حول زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) منها:
1- ما رواه الصدوق بسنده عن الإمام الرضا (ع): أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (من زارني في حياتي وبعد موتي فقد زار الله تعالى...). (عيون أخبار الرضا: ج1، ص115).

2- وما رواه ابن قولويه بسنده عن الإمام الصادق (ع) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة) (كامل الزيارات، ابن قولويه: باب2، ص42، ح1).

فالنتيجة من كل هذا: إنَّ منْ يُشكِّك في استحباب أو جواز زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) أو قبور الائمة (عليهم السلام) أو قبور المؤمنين في الواقع يشكك في الأمور المسلّمة، والمتفق عليها عند المسلمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَعْنَى الخَالِقِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ

السؤال: ما معنى الخالق في القرآن الكريم؟ وهل يمكن إطلاقه على غير الله سبحانه؟

الجواب: قال القرطبي: (وفي أصل الخلق وجهان: أحدهما: التقدير، يقال: خلقتُ الأديم للسقاء إذا قدَّرْته قبل القطع.. الثاني: الانشاء والاختراع والابداع..)(تفسير القرطبي: ج1، ص226).

فالمعنى الثاني أي الاختراع والابداع يختصُّ بالله تعالى، والمعنى الأوّل يمكن أنْ يتصفَ به الانسان ويُطلقُ عليه أنّهُ خالقٌ ولكن بواسطة وقدرة وإذْن الله تعالى، قال سبحانه حاكياً عن النبي عيسى (ع): (أَنِّي أخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهِيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ)(آل عمران:49).

والفرق بين الله سبحانه والبشر في عملية الخلق هو: أنَّ اللهَ تعالى يُوجِدُ الشيء من العدم، اما الانسان فيقوم بعملية تغيير الشيء من صورة إلى أخرى فقط فيطلق عليه أنّه خالقٌ بهذا المعنى.

وقد صرح بهذا المعنى بعضُ علماء العامة، ومنهم الشيخ الشعراوي، قال: (إذن فهناك الخالق الأعلى وهو الله، ولكنه سبحانه أيضاً أشْرَكَ خَالِقاً غَيرَهُ معه، فقال جل وعلا: (فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ) كيف؟! لأن الخلق إيجاد شيء معدوم، والذي صنع الميكروفون يقال خَلَقَهُ،.. لكن الفارق أن الخالق من البشر يوجد معدوماً من موجود- أي تعديل في صورة الموجود-؛ ... لكن الخالق يخلقُ من عدم..)(تفسير الشعراوي: ج7، ص4162).

السؤال: ما معنى الرازق في القرآن الكريم؟ وهل يمكن إطلاق هذا الاسم على الانسان؟

الجواب: الرزقُ يُطلقُ على كل نعمةٍ وعطاءٍ دائمٍ، قال الراغب الاصفهاني: (الرزق يقال للعطاء الجاري تارة دنيوياً كان أم أخروياً، وللنصيب تارة، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به تارة، يقال: أعطى السلطانُ رزقَ الجندِ، ورُزِقْتُ عِلْماً)(المفردات في غريب القرآن: ص194).

ومعنى الرازق لُغةً أي المعطي والواهب، وهو الله سبحانه، قال الراغب: (والرازقُ يقالُ لخالقِ الرزقِ ومعطِيهِ، والمسبِّب لَهُ، وهو اللهُ تعالى، ويقالُ ذلك للإنسانِ الذي يصيرُ سبباً في وصولِ الرزقِ..)(المفردات في غريب القرآن: ص194).

ولا يَضُرّ إطلاق اسم (الرازق) على الانسان من باب عدم استقلاليته، فلما نقول أنَّ فلاناً رازقٌ، أي أنه رازقٌ بإذنِ اللهِ وقدرته تعالى، ومن دون قدرة الله لا يستطيع أحَدٌ أنْ يرزقَ أحَدَاً، فالقرآن الكريم وصف الغنيَّ بأنّه رازقٌ وأمره برزق الفقراء، قال تعالى: (وَارزُقُوهُم فِيهَا وَاكسُوهُم)(النساء:5).

وهذا لا يقتضي الشرك بالله تعالى كما يدَّعي البعضُ، قال الشيخ جعفر سبحاني: (أنّه سبْحانَهُ حينما ينسب كثيراً من الأفعالِ إلى نفسِهِ، وفي الوقت نفسِهِ ينسبُها إلى غيره في مواضع أُخرى لا يكون هناك أيّ تناقض أو تنافٍ..، لأَنَّ الحصرَ على ذاتِهِ إنّما هو على وجهِ الاستقلالِ، ولا ينافي ذلكَ تشريكُ الغيرِ في هذا الفعل..)(التوحيد والشرك في القرآن الكريم: ص11).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معْنَى الرَّايَاتِ في مُحَرَّمِ

السؤال: ما حقيقة ومعنى وضع الأعلام والرايات في شهر محرم الحرام؟

الجواب: الأعلام والرايات عادة تُجعل شِعاراً للحربِ في الأزمان الغابرة، وتحتوي على كلمات مختصرة لها رمزية خاصة، ولما جاء الاسلام صار لها ألوانٌ مختلفةٌ، وقد نقل السيد عبد الرزاق المقرم عن القرماني: (أنَّ رايات العرب كانت بيضاء)(العباس (ع): ص235).

قال ابن حبان: أنَّ النَّبيَّ(صلى الله عليه وآله) دخلَ عام الفتح مكةَ ولواؤُه أبيض.(صحيح ابن حبان: ج11، ص47،ح4743).

وكان أوَّل من اتخذ الرايات في التأريخ في الحرب هو النَّبي إبراهيم الخليل(ع)، عن الإمام الصادق عن أبيهِ قال: (أوّل من قاتل إبراهيم (ع) حين أَسَرَتْ الرومُ لوطاً فنفرَ إبراهيمُ (ع) حتّى استنقذه من أيديهم ـ إلى أن قال: ـ وأوّل من اتّخذ الرايات إبراهيم (ع) عليها: (لا إله إلَّا الله))(وسائل الشيعة: ج15، ص144).

وكانت الجيوش تتخذها في المعارك، ومنها معركة الطف حيث كانَ صاحبُ رايةِ الإمام الحسين (ع) أبا الفضل العباس(ع).

وقد جرت العادة على رفع الرايات في شهر محرم في البيوتات والأماكن الأخرى كشعار للحزن والألم، ولا شكّ أنها تذكّر النَّاس برايات الحرب التي جائت إلى كربلاء.

ونستطيع القول أن الرايات والأعلام أصبحت اليوم شعيرة من الشعائر التي من خلالها يقوم الناس بإحياء أمر الإمام الحسين(ع)، فهي إذاً واحدة من مصاديق الشعائر الحسينية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَعْنَى الرَّبِّ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ

السؤال: ما معنى الربِّ في القرآن الكريم؟ وهل يمكن أنْ يطلقَ على غيرِ اللهِ سبحانه؟

الجواب: الأصل في كلمة الربّ أن تُطلق ويراد بها: المدبِّر، السيِّد، المتصرِّف، المالِك وغيرها، قال الزبيدي: (الرَّبُّ هُوَ اللَّه (عزوجل)، وَهُو رَبُّ كلِّ شي‌ء، أَي مالِكُه، له الرُّبُوبِيَّةُ على جَمِيعِ الخَلْقِ، وهُوَ رَبُّ الأَرْبَابِ، ومَالِكُ المُلوكِ والأَمْلاَكِ، قال أَبو منصور: والرَّبُّ يُطْلَقُ في اللُّغَةِ عَلَى المَالِكِ، والسَّيِّدِ، و المُدَبِّرِ، والمُرَبِّي..)(تاج العروس، ج2، ص4).

قال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ)(البقرة:21)، أي وحِّدُوا ربَّكُم، وهذا هو معنى التوحيد في الربوبية.

ونحنُ نعتقدُ بأنَّ تدبير الحياة والكون وكل شيءٍ هو بيد الله سبحانه، وأنَّ الإِنسانَ بل كل ما في الكون لا يملك لنفسه شَيئاً من التدبير، ولو كان في عالم الكون أسباب ومدبرات له، فكلّها مسخّرات بأمر الله تعالى، قال الشيخ جعفر سبحاني: (والتوحيد في الربوبية هو الإعتقاد بأنَّ تدبير العالم الإمكاني بيدِ اللهِ سبحانه، وأمّا الأسباب والعلل الكونية فكلّها جنود له سبحانه يعملون بأمره ويفعلون بمشيئته..)(محاضرات في الالهيات، ص69).

وهذه الصفات -أعني الربّ والمالك والمتصرّف- يمكن أن يتّصفَ بها البشر؛ فالأب في أُسرته ربّ، والسيّد في قومِهِ رَبّ، وصاحب العمل في عمله ربّ، وهكذا، فالله تعالى ربّ هؤلاء الأرباب، بل ربّ كلّ من يدَّعي الربوبية، كفرعون ونحوه من الطغاة المتجَبِّرين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنى السميعِ والبصيرِ

السؤال: يقول الله سبحانه: (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع بصير)، (البقرة:224)، فما هو معنى السميع والبصير في الآية الشريفة؟ هل معناهما ان الله تعالى له آذان يسمع بها؟ أو عيون يرى بها؟

الجواب: اختلف المحققون في ذينك الوصفين على أقوال، منها:

  1. إنّ سمعَه وبصره سبحانه ليسا وصفين يغايران وصف العلم، بل هما من شُعَبِ علمه بالمسموعات والمبصَرات، فلأجل علمه بهما صار يطلق عليه أنّه سميع بصير.
  2. إنَّ السمع والبصر يغايران مطلق العلم مفهوماً، ولكنهما علمان مخصوصان وراء علمه المطلق من دون تكثّرٍ في الذات، ومن دون أن يستلزم ذلك التوصيف تجسُّماً، وما هذا إلّا حضور الهُوِيّات المسموعة والمُبصَرَة عنده سبحانه، فشهودُ المسموعات سمعٌ، وشهودُ المبصرات بصرٌ، وهو غير علمه المطلق بالأشياء العامة، غير المسموعة والمبصَرَة. (الالهيات، الشيخ جعفر السبحاني: ج1، ص159).

بعد التعرف على هذين القولين نقول: إنَّ السَّماع في الانسان يتحقق بأجهزة وأدوات طبيعية، وذلك بوصول الأمواج الصوتية الى الصِّماخ، ومنها الى الدماغ المادي ثم تدركه النفس.

وهنا ينبغي الالتفات الى مسألة مهمة، وهي: إنَّ وجود هذه الأدوات المادية، هل هو من لوازم تحقق الابصار والسماع في مرتبة خاصة، كالحيوان والانسان؟ أو أنه دخيل في حقيقتها بصورة عامة؟ لا شك أنَّ هذه الآلات والادوات التي شرحها العلم إنَّما هي من خصوصيات الانسان المادي، الذي لا يمكنه ان يقوم بعملية الاستماع والابصار بدونها. (الالهيات، الشيخ جعفر السبحاني: ج1، ص160). قال الامام أميرُ المؤمنين (ع): (والبَصيرُ لا بتفريقِ آلةٍ، والشاهِدُ لا بمُماسّةٍ). (نهج البلاغة: الخطبة155).

فالنتيجة: إنّ من الغايات التي يرشد اليها الذكر الحكيم في مقام التوصيف بهذين الوصفين، هو إيقاف الانسان على أنَّ ربَّه سميع يسمعُ ما يتلفظه من كلام، بصير يرى كل عمل يصدر منه، فيحاسبه يوماً حسب ما سمعه ورآه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَعْنَى الشَّعَائِرِ الحُسَيْنِيَّةِ

السؤال: ما هو معنى الشعائر الحسينية؟ وكيف يمكن دخولها في الدين؟

الجواب: معنى الشعائر لغةً: (ما ندبَ الشّرعُ إليه ودعا إلى القيامِ بِهِ)(قاموس ومعجم المعاني الالكتروني)، ونقل ابن منظور عن الزجاج أنَّه قال: (شَعَائِرُ اللهِ: جَمِيعُ مُتَعَبِّدَاتِ اللهِ الَّتِي أَشْعَرَهَا اللهُ أَي جَعَلَهَا أَعْلامَاً لَنَا)(لسان العرب: ج4، ص414).

فالشعائر مطلقاً هي أدلة وعلامات تشير إلى دين الله سبحانه، قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: (الشعائر: جمع شعيرة بمعنى العلامة والدليل، وعلى هذا فالشعائر تعني علامات الله وأدلّته..)(تفسير الامثل: ج10، ص342).

فإِنْ قيلَ: إنَّ شعائرَ اللهِ التي أمرَ بها  اللهُ تعالى هي خصوص مناسك الحجّ، ولا تشمل الشعائرَ الحسينيةَ!!

فنقول: إنَّ كثيراً من علماء المسلمين ومفسريهم يذهبون إلى عدمِ اختصاصِ شعائرِ اللهِ بمناسكِ الحجِّ فقط، وإنَّما يمكن أنْ تكونَ عامّةً لكلِّ الشّعائر، منهم الرازي في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ)(البقرة:158) حيث قال: (المسألة الثالثة: الشَّعائر: إما أنْ نحملها على العبادات أو على النُّسك، أو نحملها على مواضعِ العبادات والنُّسك)(تفسير الرازي: ج4، ص177).

ومن هذا يتضح إنَّ الشَّعائرَ الحسينيةَ من الشعائرِ الدينيَّةِ أي من العبادات التي تُوصِلُ إلى اللهِ سبحانه، فَذِكْرُ الإمامِ الحسينِ (ع) بِلا شَكٍّ هو الطريقُ إلى الله سبحانه، قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(الحج:32).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنى (الصحابي) عنْدَ الشِيْعَةِ والسُّنَّةِ

السؤال: ما هو المراد من الصحابي عند الشيعة والسنة؟

الجواب: تعريف الصحابي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام): الصاحب وجمعه: صحب، وأصحاب وصحاب وصحابة، والصاحب: المعاشر والملازم، ولا يقال إلّا لمن كثرت ملازمته، وإنّ المصاحبة تقتضي طول لبثه، (المفردات في غريب القران، الراغب الاصفهاني: ج1، ص476)، وبما أنّ الصحبة تكون بين اثنين يتضح لنا انه لابد ان يضاف لفظ (الصاحب) الى اسم ما في الكلام، وكذا ورد في القرآن في قوله تعالى: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ) (يوسف:41)، و(قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ). (الشعراء:61).

وكان يقال في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) (صاحب رسول الله) و(أصحاب رسول الله) مضافاً الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما كان يقال (اصحاب بيعة الشجرة)، و(اصحاب الصفة) مضاف الى غيره، ولم يكن لفظ الصاحب والاصحاب يوم ذاك اسماءً لأصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولكن المسلمين من أصحاب مدرسة الخلافة تدرجوا بعد ذلك على تسمية أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصحابي والأصحاب، وعلى هذا فإن هذه التسمية من نوع تسمية المسلمين، ومصطلح المتشرعة. (الصحابي وعدالته، السيد مرتضى العسكري: ج1، ص10).

لكن أهل السنّة وسعوا معنى الصحابي، فقال ابن حجر في مقدمة كتابه (الإصابة: ج1، ص10): (الصحابيّ من لقي النبي (صلى الله عليه وآله) مؤمناً به، ومات على الإسلام، فيدخل في من لقيه من طالت مجالسته له، أو قصرت، ومن روى عنه، أو لم يروِ، ومن غزا معه، أو لم يغزُ، ومن رآه رؤيةً ولو لم يجالسه، ومن لم يرَهُ لعارضٍ كالعمى).

وعلى تعريف ابن حجر يدخل كثيرٌ من الناس، أمثال المنافق عبد الله بن أبي سلول، لأنه لقي النبي (صلى الله عليه وآله)، فهو صحابي على رأي أهل السنّة، والحال ليس كذلك، لأنّ هذا لا يعطيه قدسية وحصانة من النفاق والعصيان والارتداد، فبهذا التعريف لا تُجعل لمثل هذا الشخص عدالة كما يدعيها المخالفون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَعْنَى الغَيْبِ والعِلْمُ بِهِ

السؤال: ما هُو مَعنى الغَيبِ؟ وما هُو مَعنى العِلمِ بالغَيبِ؟

الجواب: (الغَيْبُ) لُغَةً: ما غَابَ عنْكَ. (لسان العرب، ابن منظور: ج2، ص147).

ويقال: للشي‏ء غَيْبٌ وغائِبٌ باعتِبارِهِ بالنّاس لا باللِه تعالى، فإنّه لا يغيب عنْهُ شَي‏ءٌ.(المفردات، الراغب  الاصفهاني: ص 366).

إنَّ الغَيبَ يقابلُ الشهودَ، فما غاب عن حواسّنا وخرجَ عن حدودِها فَهُو غَيبٌ، سَواء أكانَ أمراً مادّياً، قابلاً للإدراكِ بالحواسِ، كالحوادثِ الواقعةِ في غابرِ الزّمانِ، أم كانَ مما يمتنعُ إدراكُهُ بالحسِ كذاتِهِ تعالى، وحقيقة البعثِ والنّشورِ، والحسابِ، والوَحْي، والنّبوّة، وو...(مفاهيم القرآن، جعفر سبحاني: ج‏3، ص350).

وأما عِلمُ الغَيبِ فَبَيَّنَهُ أميرُ المؤْمِنِينَ (ع) في نهجِ البَلَاغَةِ فَقَالَ:{وإِنَّمَا عِلْمُ الْغَيْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ ومَا عَدَّدَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الْغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذا تَكْسِبُ غَدَاً وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(لقمان:34)، فَيَعْلَمُ اللهُ سُبْحَانَهُ مَا فِي الْأَرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وقَبِيحٍ أَوْ جَمِيلٍ، وسَخِيٍّ أَوْ بَخِيلٍ، وشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ ...، فَهَذَا عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا اللهُ، ومَا سِوَى ذَلِكَ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللهُ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) فَعَلَّمَنِيهِ، ودَعَا لِي بِأَنْ يَعِيَهُ صَدْرِي وتَضْطَمَّ عَلَيْهِ جَوَانِحِي} (نهج البلاغة، الخطبة 128).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنى القضاء والقدر والفرق بينهما

السؤال: ما هو معنى القضاء والقدر، وما هو الفرق بينهما؟
الجواب: القدر: هو عبارة عن تقدير وجود الشيء وكيفيته وتعيين حدوده وخصوصياته التي يوجد عليها، كالخياط يقدر الثوب قبل ان يخيطه. فالظاهر من موارد استعماله أنّه بمعنى الحد والمقدار وإليه تشير الآيات التالية:
1 قوله تعالى (قد جعل الله لكلّ شيء قَدراً (الطلاق:3.
2 قوله تعالى ( والله يقدّر الليل والنهار (المزمل:20.
3 قوله تعالى ( وما ننزّله إلاّ بقدر معلوم (الحجر:21.

والقضاء: عبارة عن ضرورة وحتمية وجود الشيء في ظرفه الخاص عند تحقق جميع الاسباب والشرائط التي يتوقف عليها. وقد ذكروا للقضاء معاني كثيرة، والظاهر أنّه ليس له إلاّ معنى واحد، وما ذكر من المعاني كلّها مصاديق لمعنى واحد. وأول من تنبّه لهذه الحقيقة هو اللغوي المعروف (أحمد بن فارس بن زكريا) يقول: ( القضاء أصل صحيح يدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته، قال الله تعالى:(فقضاهن سبع سموات في يومين) أي أحكم خلقهن -الى أن قال- والقضاء الحكم قال الله سبحانه في ذكر من قال:(اقض ما أنت قاض) أي إصنع وأحكم، ولذلك سمّي القاضي قاضيا لأنّه يحكم الاحكام وينفّذها، وسمّيت المَنِيَّةُ قضاءً؛ لأنّها أمر ينفذ في ابن آدم وغيره من الخلق) (المقاييس:5 / 99). إذن كل قول أو عمل إذا كان متقنا محكما، وجاداً قاطعا، وفاصلاً صارما لا يتغير ولا يتبدل، فذلك هو القضاء.
فالتقدير هندسة الشيء، والقضاء هو البت بلزوم تحقق تلك الهندسة.
هذا ما ذكره أئمة اللغة، وقد سبقهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ففسروا القدر والقضاء على النحو التالي:
1- عن الامام الرضا (عليه السلام) وقد سأله يونس عن معنى القدر والقضاء فقال: (هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين) (الكافي:1 /158) .
2- عن يونس عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): (قال: قلت: ما معنى قدر؟ قال: تقدير الشيء من طوله وعرضه، قلت: فما معنى قضى؟ قال: إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مردّ له)  (المحاسن:2449) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَعْنَى النّسْخِ في القُرْآنِ

السؤال: ما معنى النسخ في القرآن الكريم؟

الجواب: النسخ لغة: الإزالة، يقال: (نَسَخَتْ الشمسُ الظلَّ، أي أزالَتْهُ)(لسان العرب: ابن منظور، ج6، ص4407).

وأما إصطلاحاً: قال السيد الخوئي: (النسخ في الاصطلاح: هو رفع أمر ثابت في الشريعة المقدسة بارتفاع أمده وزمانه..)(البيان في تفسير القرآن: ص٢٩٦).

فالنتيجة: إنّ للنسخ في الشريعة الإسلامية حكمة عظيمة، وهي حفظ مصالح العباد، ورحمة من الله لهم بالتخفيف عنهم، والتوسعة عليهم.

سُئِلَ الامام علي (ع) عن الناسخ والمنسوخ؟ فقال: (إنّ الله تبارك وتعالى بعث رسولَهُ (صلى الله عليه وآله) بالرأفة والرحمة، فكان من رأفته ورحمته أنّه لم ينقل قومه في أوّل نبوّته عن عادتهم،...، فكان من شريعتهم في الجاهلية أنَّ المرأةَ إذا زَنَتْ حُبِسَتْ في بيتٍ، وأقيم بأودها(1) حتّى يأتيها الموت، وإذا زَنى الرّجلُ نَفوهُ من مجالسِهم وشتموه، وآذوه وعَيَّرُوهُ ولم يكونوا يعرفون غير هذا، فقال الله تعالى في أوّل الإسلام: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ... فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا..)(النساء: ١٥ـ ١٦)، فلمّا كثر المسلمون، وقوي الاسلام واستوحشوا أُمورَ الجاهليةِ أنزل الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ)(النور: ٢)، فَنَسَخَتْ هذه الآيةُ آيةَ الحبسِ والأذَى)(البحار: المجلسي: ج93، ص6).

  1.  بأَوْدِها: بإعالَتِهَا (قاموس ومعجم المعاني).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنى تركِ الأولى ونسبتُه الى النبي آدم (ع)

السؤال: تقول الشيعة في سورة طه: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)، (طه: 121): إن معنى العصيان من النبي آدم هو ترْك الأولى، فإذا كان النبي (ع) خالف الأولى فلا يخلو من أمرين: إما لعدم علمه بالأولى، وهذا ينافي كمال النبوة، أو لعلمه بالأولى وقيامه بغير الأولى، وهذا لا يصدر عن شخص عادي فضلاً عن نبي، فما هو الجواب؟

الجواب: مخالفة الأولى أو ترك الأولى ليست معصية، فالنبي قد يفعل الفعل الذي ليس بأولى، وإنّ مخالفة الأولى تقع في دائرة الممكنات المسموح للنبي باختيار أحدها، فإن المصير إلى أي ممكن من هذه الممكنات - ولو لم يكن أولى - لا يكشف عن صدور خطأ، بمعنى الذنب من الأنبياء، سواء أكان صغيراً أم كبيراً، ومنه الخطأ في تبليغ الأحكام، ولكن توجد عند الأنبياء فسحة لفعل الأولى أو تركه، فما ذكرتموه من وجود احتمالين: أحدهما جهل النبي بالأولى، والثاني مخالفة كمال النبوة مردودٌ، بأنّ النبي وإن سلمنا بعدوله عن الأولى إلى غيره، فليس ذلك لعدم علمه بالأولى، بل لأمر آخر، كالمشقة المترتبة على فعل الأولى، أو صعوبته، فيختار غير الأولى للتخلص من تلك المشقة.

كما أن ذلك لا ينافي كمال النبوة بعد أن أعطاه الله تعالى الاختيار في مقام الفعل للأولى، والترك له، بل إن أولوية الأولى كاشفة عن مقبولية مخالفته على مستوى إرادة النبي واختياره، إذ لو لم تكن كاشفة عن المقبولية لكان المفروض كونه أولى هو ليس بأولى، وهذا خلف، على أن كمال النبوة المشار إليه هو فرع النبوة، وفرض قدح ترك الأولى بكمال النبوة يترتبُ عليه القدح في النبوة نفسها.

فظهر أن ترك الأولى أو مخالفته إلى بعض الممكنات التي ليست بأولى لا يلزم عنه الجهل، ولا الخروج عن كمال النبوة. (مركز الابحاث العقائدية).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنى غيْبَةِ القائِمِ (عج)

السؤال: ما هو معنى غيبة الامام الحجة (عج)؟ بعبارة أخرى هل أنّ الامام (عج) غائب بشخصه أم بـعنوانه؟

الجواب: غيبة الإمام المهدي (عج) يمكن تصورها طبقاً لأطروحتين:-
الأطروحة الأولى: ظهور الشخص وخفاء العنوان، أي أنه (عج) موجود بيننا نراه ويرانا، ولكننا لا نعرفه، ويؤيد هذه الأطروحة جملة من الروايات، منها:

أولاً: ما نقله الشيخ الصدوق في (كمال الدين: ج1، ص440) عن السفير الثاني، محمد بن عثمان العمري (رض): (والله إنّ صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه).

وثانياً: ما رواه النعماني في الغيبة (ج1، ص164) بالسند عن الإمام الصادق (عليه السلام): (صاحب هذا الأمر يتردد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتى يأذن الله له أن يعرِّفَهم نفسه، كما أَذِنَ ليوسف حتى قال له إخوته: )قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ)، (يوسف:90).

الأطروحة الثانية: خفاء الشخص وظهور العنوان، أي أنه غائب الجسد غير منظور، ولا مرئي، وإن كان عنوانه ظاهر، ويؤيد هذه الأطروحة جملة من الروايات، منها: ما ذكره النوري الطبرسي في (النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجّة الغائب: ج1، ص197): عن الإمام الرضا (عليه السلام): (القائم المهدي (عج) ابن ابني الحسن، لا يُرى جسمه، ولا يسمّي باسمه بعد غيبته أحدٌ حتى يراه، ويعلن باسمه، فليسمّه كلُ الخلق).
ولكن المشهور من هاتين الأطروحتين هي الأولى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَفْهومُ البِدْعَةِ وحقِيقَتُهَا

السؤال: ما هو المقصودُ من البدعةِ؟ وما هي حَقِيقَتُهَا؟

الجواب: إنّ للبدعة تعريفات كثيرة، تتفق لفظاً ومعنىً، قال ابن حزم في الفصل في الملل والنحل: (البدعة في الدين: كلّ ما لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)) (البدعة، الدكتور عزت: ص161).

فالبعض ممن يدعي الإسلام والعلم يُدخِلُ أشياءً وأموراً هي ليست من الدين في الدين، قال السيد محسن الأمين: (البدعة: إدخال ما ليس من الدين في الدين..) (كشف الارتياب، ص143).

وعليه فلا يجوز الإدّعاء على الله سبحانه وتعالى أو على النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) بأمورٍ لا يقرّها الإسلام، ولا يوجد لها دليل يدل عليها، يقول الشيخ جعفر السبحاني: (إنّ حقيقة البدعة هي الافتراء على الله، والفرية بإدخال شيء في دينه أو نقصه منه، وتنسيبه إلى الله ورسوله..) (البدعة: ص93).

فنستنتج من كلِّ ما تقدمَ أنَّ بعضَ ما يفعلُهُ الشيعةُ من زيارة القبورِ، والاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والتوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، ورفع الصوت بالصلاة على النبي وآله (عليهم السلام)، والطواف بأضرحتهم (عليهم السلام)، والتمسح والتبرك بها، وبناء القباب عليها، وغيرها من الأفعال لا يُعدّ بدعةً؛ لأنَّ الدليلَ قائمٌ عليه، وهو غيرُ مخالفٍ للشرعِ، وسنتناولُ تلك الأدلة في المنشوراتِ اللاحقةِ إن شاءَ اللهُ تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقامات خديجة عند الله (تعالى) ورسوله(صلى الله عليه وآله)

السؤال: ما هي الايات التى نزلت فى حق السيدة خديجة فى كتاب الله عزَّ وجلَّ؟

الجواب: روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (وَوَجَدَكَ عَائلاً فأَغنَى)(الضحى:8) يعني وجدك فقيراً فأغناك بمال خديجة.  (تفسير الثعلبي: ج10، ص229).

السؤال: هل توجد مقامات للسيدة خديجة عند الله (عزوجل) ورسوله (صلى الله عليه وآله)؟

الجواب: لقد اكتسبت السيدة خديجة مكانة سامية في الإسلام حتى ان النبي(صلى الله عليه وآله) ذكرها في احاديث كثيرة، وأشاد بفضلها ومكانتها، وشرّفها على غيرها من النساء المسلمات المؤمنات، وفيما يلي نأتي ببعض الاحاديث الشريفة التي تعكس مكانة خديجة، ومقامها عند الله(تعالى) ورسوله(صلى الله عليه وآله):-

1-عَن قَتَادَةَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ آمَنَ باللَّه وَرَسُولِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجَتُهُ. (الاستيعاب، ابن عبد البر: ج4، ص1821).

2-عن ابن عباس قال رسول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امرأة فرعون. (الاستيعاب، ابن عبد البر: ج4، ص1821).
3-عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال سمعت أبا هريرة يقول: أتى جبريل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك  فاقرأ عليها السلام من ربها ومنّي وبشّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. (تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ج50/ص11).

4-عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) خَدِيجَةَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَتَنَاوَلْتُهَا، فَقُلْتُ: عَجُوزُ كَذَا وَكَذَا، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، قَالَ: مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا، لَقَدْ آمَنَتْ بِي حِينَ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَأَشْرَكَتْنِي فِي مَالِهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ وَلَدَهَا وَحَرَمَنِي وَلَدَ غَيْرِهَا. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أُعَاتِبُكَ فِيهَا بَعْدَ الْيَوْمِ. (سير اعلام النبلاء، الذهبي: ج2، ص117).

5-لما توفّيت خديجة أخذ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في تجهيزها وغسلها وحنطها، فلما أراد أن يكفنها، هبط الأمين جبرئيل وقال: يا رسول اللّه، إن اللّه يقرئك السلام ويخصّك بالتحية والإكرام ويقول لك: يا محمد(صلى الله عليه وآله) إن كفن خديجة من عندنا، فإنها بذلت مالها في سبيلنا، فجاء جبرئيل بكفن وقال: يا رسول اللّه هذا كفن خديجة وهو من أكفان الجنة أهداه اللّه إليها، فكفّنها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بردائه الشريف أولا، وبما جاء به جبرئيل ثانيا، فكان لها كفنان؛ كفن من اللّه وكفن من رسوله (صلى الله عليه وآله). (الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء(ع)، اسماعيل الأنصاري الزنجاني: ج21، ص397).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَنْ جَمَعَ القُرْآنَ؟

السؤال: يقال أنّ مَنْ جمع القران الكريم بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) هو الامام علي (ع)، فهل هذا صحيح؟

الجواب: نعم، جمع الامام علي (ع) القرآن، وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلمّا فتحه أبو بكر، خرج في أوّل صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي! اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه (ع) وانصرف. (البحار، المجلسي: ج92، ص42).
وفي (المناقب، أبن شهر آشوب: ج2، ص41): قال: (وفي أخبار أبي رافع: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في مرضه الذي توفي فيه ـ لعلي ـ: يا علي، هذا كتاب الله خذه إليك، فجمعه علي في ثوب ومضى إلى منزله، فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) جلس عليٌ (ع) فألَّفَه كما أنزل الله، وكان به عالماً).
وفي (كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج1، ص146) عن سلمان الفارسي (رض) قال: لما رآى أمير المؤمنين (ع) غدر الناس به لزم بيته، وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه، وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع(1).

(1) الأشظاظ بمعنى العيدان المتفرقة، والأسيار جمع السير، وهو قدة من الجلد مستطيلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَنْ همْ قتلةُ الإمَامِ الحُسيْنِ (ع)

السؤال: هل صحيح أن الذين قتلوا الحسين (ع) هم شيعته كما يقال، أو أناس كانوا من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ثم انحرفوا؟

الجواب: في الواقع هذه شبهة روّجَ اليها البعض ممّن في قلبه مرض؛ طعناً منه بالمذهب الشيعي، من أنّ الشيعة هم الذين قتلوا الحسين (ع)، والواقع خلاف ذلك، فإنّ الذين قتلوا الحسين (ع) هم شيعة آل أبي سفيان، بدليل خطاب الامام الحسين (ع) اليهم يوم عاشوراء: (ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا الى أحسابكم ان كنتم عرباً كما تزعمون). (اللهوف في قتلى الطفوف، السيد بن طاووس: ج1، ص144).
ثم لم نجد أحداً من علماء الرجال أدرج أسماء هؤلاء الذين قتلوا الحسين (ع) ـ كأمثال عمر بن سعد وشبث بن ربعي وحصين بن نمير و … ـ ضمن قوائم رجال الشيعة، بل النصوص تدل على أنهم من جمهور المسلمين،  مضافاً الى هذا مواقفهم من الحسين (ع) ومن معه يوم عاشوراء، تدل على أنهم ليسوا بشيعة له، من قبيل منعهم الماء عليه، فيخاطبهم برير الهمداني بقوله: (… وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه قد حيل بينه وبين ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقالوا: يا برير قد أكثرت الكلام، فاكفف والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله)، يقصد عثمان بن عفّان!! فهل هذا جواب شيعي؟!! (أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: ج3، ص561).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَنَابِعُ عُلُومِ المعْصُومِينَ(عليهم السلام)

السؤال: ما هي منابعُ علومِ أهلِ البيتِ المعصومين(عليهم السلام)؟ وبعبارة أخرى كيف يحصل المعصومون(عليهم السلام) على العلوم؟

الجواب: تَذكُرُ بعض الروايات أنَّ منابع علوم المعصومين من أهل البيت(عليهم السلام) كثيرة ومختلفة، ويحصلون عليها بوسائط وطرق متعددة وعظيمة، منها: الجفر، والجامعة، والصحيفة، والنقر في الأسماع، والنكت في القلوب...، وغيرها.

قال الإمام جعفر الصادق (ع): {عِلْمُنَا غَابِرٌ ومزْبُورٌ، ...، ونَكْتٌ في القُلوبِ، ومفاتيحُ أسْرَارِ الغُيوبِ، ونَقْرٌ في الأسماعِ،... وعنْدَنَا الجامعةُ، والصحيفةُ...}(ينابيع المودة: القندوزي، ج3، ص199).

فأما قوله (ع): (علمنا غابر ومزبور..) فإنَّه أشار به إلى العلوم الماضية من القرون الغابرة، والعلوم الإلهية المنزلة في الكتب على جميع الأنبياء (عليهم السلام).

وأما قوله: (نقرٌ في الأسماع)، فإِنَّهُ حديث الملائكة، وأما قوله: (نَكْتٌ في القُلوبِ..) فهو الالهام.(الإرشاد، الشيخ المفيد: ج2، ص186).

وأما قوله: (الصحيفة) فهو مصحف فاطمة (عليها السلام)، فإنَّه فيه ذكر الوقائع والفتن والملاحم وأسماء من يملك إلى أنْ تقوم الساعة، وما هو كائن إلى يوم القيامة.(الاحتجاج، الطبرسي: ج2، ص134).

وأما قوله: (الجامعة) فإِنَّه أشار به إلى كتابٍ أملاه رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) من لسانِهِ المبارك، وكَتَبَهُ الإمامُ عليّ(ع)، وأثبت فيه كلما يحتاج إليه من الشرائع الدينية، والأحكام والقضايا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موقف الشيعة حول صيانة القرآن من التحريف

السؤال: يُتَّهَمُ الشيعةُ وعلماؤهم بالقول بتحريف القرآن الكريم؟ فما هو موقف علماء الشيعة من هذا القول؟

الجواب: الشيعة الإمامية لا تقول بتحريف القرآن، وها هم أكابر علمائها ومراجعها منذ ابتداء عصر الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا، يؤكدون على ان كتاب الله الكريم الموجود بين أيدينا الآن، هو الكتاب المنزل على نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) بلا زيادة أو نقيصة.

وإليك ما نصَّ عليه مرجع الطائفة في عصره السيد الخوئي (قدّس سرّه)، حيث قال في كتابه (البيان في تفسير القرآن: ص22): (المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وقد صرّح بذلك كثير من الأعلام، منهم رئيس المحدّثين الصدوق محمد بن بابويه، وقد عدَّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية.
ومنهم شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، وصرّح بذلك في أول تفسيره (التبيان)، ومنهم المفسر الشهير الطبرسي في مقدمة تفسيره (مجمع البيان)، ومنهم شيخ الفقهاء الشيخ جعفر كاشف الغطاء في بحث القرآن من كتابه (كشف الغطاء)، وادعى الإجماع على ذلك، ومنهم بطل العلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدمة تفسيره (آلاء الرحمن).

ثم بيَّن السيد الخوئي (قدّس سرّه) أن المشهور والمعوّل عليه في معتقد الشيعة هو القول بعدم وقوع التحريف في القرآن، فقال: (وجملة القول: إن المشهور بين علماء الشيعة ومحقِّقِيهم، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف). (البيان، السيد الخوئي: ص200).

والنتيجة: ان الروايات الواردة في هذا الجانب كلها قابلة للتأويل، ولا يوجد نص قطعي يفيد وجود التحريف في القرآن الكريم، ويمكن للإنسان أن يكتفي بدلالة واحدة على ذلك، وهو مطالعة الأحاديث المتضافرة التي تفيد أن الأئمة (عليهم السلام) جعلوا القرآن ميزانَ عدلٍ في معرفة الصحيح من غيره من أحاديث السنة النبوية، وبالتأكيد هم لا يجعلون ميزاناً ناقصاً أو محرّفاً يدل على ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موقفُ الشيعة من صحيحي البخاري ومسلم

السؤال : ما هو موقف الشيعة الامامية من الصحيحين البخاري ومسلم؟

الجواب: الشيعة الامامية لا يرَوْنَ أن جميع ما في البخاري ومسلم صحيح، بل نراهما كما هو حال بقية كتب الحديث، فبعض رواياتها صحيحة، وبعضها غير صحيحة، ونحن إذ نستشهد بصحيح البخاري فمن باب الإلزام للطرف الذي يعتقد بصحته حتى لو كانت الرواية عندنا ضعيفة، وهذا أمر مقبول في صناعة الجدل.

ولذلك نذكر هنا بعض النقاط المسجلة على الصحيحين:
1ـ ضعف بعض رجال الصحيحين، وانهم غير موثقين في علم الرجال.
2ـ العصبية الشديدة التي تحلى بها مؤلفا الكتابين.
3ـ الفترة الزمنية الطويلة الممتدة بين زمن صدور الحديث وتاريخ تدوينه، مع النظر الى دواعي وأسباب الجعل والوضع.
4ـ تقطيع بعض الاحاديث عند البخاري تمشياً لذوقه ورأيه.
5ـ النقل بالمعنى، كما يلاحظ في صحيح البخاري.
6ـ تتميم وتكميل صحيح البخاري بواسطة الآخرين.
7ـ كثرة الاحاديث المخالفة للأدلة العقلية والدينية فيهما.
مع ملاحظة أن بعض علماء ومحققي أهل السنة يتفقون مع الامامية في هذا الرأي، بل بعضهم طعنوا في شخص البخاري ومسلم، ومنهم الذهبي حيث رمى البخاري بالتدليس، فان الرجل مشهور معروف به، قال الذهبي في (سير اعلام النبلاء: ج12، ص275 في ترجمة الذهلي): (روى عنه خلائق منهم ...ومحمد بن اسماعيل البخاري ويدلسه كثيراً، لا يقول: محمد بن يحيى!! بل يقول: محمد فقط!! أو محمد بن خالد!! أو محمد بن عبد الله، ينسبه إلى الجد، ويعمي اسمه، لمكان الواقع بينهما!!! غفر الله لهما. انتهى).
وقد قال الحافظ ابن حجر فيه ذلك، ونقله أيضاً، ومثله العلامة العيني وغيرهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَلِ الإرَادَةُ التّكْوِينِيَّةُ تَسْلُبُ الاِخْتِيَارَ؟

  السؤال: إذا كان المقصود من (الإِرَادَة) في آيةِ التَّطْهيرِ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيرَاً) الأَحزاب:33، هي الإرادة التكوينية، فينتج أنّ الآية فيها إجبار للمعصوم، فيكونُ غَيرَ مختارٍ في أفعاله، فما هو الجواب عن هذه الشبهة؟

  الجواب: إنّ الله (عزوجل) عالم بكلّ شيء لا يغيب عن علمه مثقال ذرةٍ في الأرضِ ولا في السماء، هو يعلم بأفعال عباده قبل أن يخلقهم، فمن علم منهم أنّهم لا يريدون لأنفسهم إلا الطاعة المطلقة لله (عزوجل) أعانهم على ذلك، وأخبر عن مشيئته التي منشؤها العمل بما يريدون الوصول إليه، وهو الكمال الإلهي والمقام الرباني، فاختيار الله لهم ليس جزافياً، فحيث عَلِمَ الله منهم (عليهم السلام) أنّهم لا يريدون لأنفسهم إلّا الطاعة والعبودية، تعلّقت إرادته التكوينية بهم فَطَهّرَهم من كلِّ رجسٍ، فعِلْمُه بهم منشأ لهذه الإرادة التكوينية، وعليه فإنّ هذه الإرادة لا تسلب اختيار المعصوم.

واليهِ أشارَ الشيخ جعفر السبحاني: (إنّ المعصوم قد بلغ في العلم بآثار المعاصي مرحلةً يشاهدُ آثَارَها السيئة مشاهدةً حضوريةً لا يتسرب إِليها الشك والترديد، يقول الله سبحانه: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ لتَرَوُنَّ الجَحِيمَ) التكاثر: 5 ـ 6، ومثل هذا العلم يصدّ الإِنسان عن ارتكاب المعاصي) رسائل ومقالات: ج1، ص563.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَل التّبرُّكُ بآثَارِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) بِدْعَةٌ؟

السؤال: هل يجوزُ التبرّكُ بآثارِ النَّبيِّ الأَكرمِ (صلى الله عليه وآله) -كالتبرّك بقميصه ومنبره وعصاه- أَم لا؟

الجواب: التبرّك بأشياء تنسب إلى الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) واردٌ عندَ كلا الفريقين، وهو جائزٌ شرعاً، وليس بدعةً كما يدّعي البعضُ؛ لأنه قد وردت الأدلةُ الكثيرةُ على جوازه، كالتبرك بقميصِهِ(صلى الله عليه وآله) وشعرِهِ ومنبرِهِ وعصاهُ وغير ذلك، ونذكر بعض الأمثلة على هذا:

1-إمام الحنابلة أحمد بن حنبل أفتى بجوازِ التبرّكِ بمنبرِ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) عندما سَأَلَه ولَدُهُ عبْدُ الله، وقال: (سألتُه عن الرجلِ يمسُّ منبرَ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ويتبرّك بمسِّه، ويُقَبِّله، ...، يريد بذلك التقرّب إلى اللهِ (عزَّ وجلَّ)؟ فقال: لا بأس بذلك) (العلل ومعرفة الرجال، أحمد بن حنبل: ج2، ص492، ح3243).

2-التبرّك بملابسِ وأَثوابِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) حتى للميِّت، كما فعل النّبيّ (صلى الله عليه وآله) مع أُمِّ أَميرِ المؤمنينَ(ع) فاطمة بنت أَسد(عليها السلام) عند موتِها: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لمّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ أُمُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَلْبَسَهَا رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) قَمِيصَهُ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ بِهَذِهِ، فَقَالَ: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ أَبَرُّ بِي مِنْهَا، إِنَّمَا أَلْبَسْتُهَا قَمِيصِي لِتُكْسَى مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ) (الاستيعاب، ابن عبد البر: ج4، ص1891).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هل الشَّعَائِرُ الحُسَينيَّةُ بِدْعَةٌ؟

السؤال: يدّعي البعض: إنّ إقامة الشعائر الحسينية بدعةٌ، فهل هذا صحيحٌ؟

الجواب: هذه شبهة قد تنطوي على البعض ممن لا حظ له من العلم، أو من يريد أن يتصيدَ بالماء العكر، فنقول في الجواب: إنّ البدعة هي: إدخال ما ليس من الدين في الدين. (كشف الارتياب، السيد محسن الأمين، ص143)، فلا يصحّ إطلاق البدعة على الشعائر الحسينية أبداً؛ لأنّ الشعائر الحسينية هي عبارة عن مفهوم إظهار الحزن على الإمام الحسين (ع)، والذي أكّد عليه أئمّةُ أهلِ البيت (عليهم السلام)؛ فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: (رحم الله من أحيا أمرنا). (بحار الأنوار، المجلسي: ج2، ص151، ح30)، وعن الإمام الرضا (ع) قال: (من جلس مجلساً يحيي فيه أمرَنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب). (أمالي الصدوق، الصدوق: ص٦٨). فإحياءُ الشعائر الحسينية أمرٌ محبوبٌ لله تعالى، لأنّ أئمةَ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) لا يأمرون بأشياء مبغوضة لله.

وهذا التعبير عن الحزن على سيد الشهداء (ع) له طرق مختلفة، فكلّ فئة أو مجموعة أو ملة أو مذهب من المذاهب يعبّر عن حزنه لحادثة معينة تحدث عنده بأُسلوبه وطريقته المألوفة عنده، فالتعدّد في هذه الأساليب لا صلة له بالبدعة أبداً، لأنّه بالتالي هو ضمن الحدود الشرعية التي رسمها الله لنا ولا نتعداها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَلْ تَصُحُّ الاسْتِعَانةُ بغَيرِ اللهِ؟

السؤال: هل يجوز الاستغاثة والاستعانة بغير الله كالإنسان مثلاً؟ نرجو ذكر بعض الأدلة القرآنية على ذلك.

الجواب: الاستغاثة هي طلب الغوث وهو النصرة، والاستعانة هي طلب العون، والاستعانةُ بغير الله تتصور على نحوين:

الأول: إنّ الانسان يستعين ويستغيث بإنسان آخر مع اعتقاده بأنّ هذا الانسان له التأثير غير المباشر في الكون، وأنّ المُعين والمؤثر الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، وبعبارةٍ أخرى أن المستعان به لا يستطيع باستقلاله أن يعينَ هذا الانسان المستعين، أي أنّ قدرته مكتسبة من الله (عز وجل)، وهذا الاعتقاد ليس شركاً، قال الشيخ جعفر السبحاني: (وهذا النوع من الاستعانة ـ في الحقيقة ـ لا ينفك عن الاستعانة بالله ذاتِهِ..) مفاهيم القرآن: ج1، ص565.

والى هذا المعنى اشارت كثير من الآيات القرآنية الكريمة، منها: (وَإِنْ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) الأنفال: ٧٢، أي استعانوا واستغاثوا بكم فانصروهم.

الثاني: إذا استعان الانسان بإنسان مع الاعتقاد بأنّه مستقل في وجوده وأفعاله عن الله تعالى، فلا شك أنّ هذا الاعتقاد يصير شركاً، ولا يختلف فيه اثنان، وإلى هذا المعنى أشار القرآن الكريم: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة: 5، ومن الواضح أنّ المستشكل اشْتَبَهَ عليه الأمر بهذا المعنى وصوّرَهُ على المعنى الأول للاستعانةِ وحَكَمَ بالشّركِ.

السؤال: يدَّعي البعضُ أنَّ الاستغاثةَ والاستعانةَ بغيرِ اللهِ لا تصحّ، وذلك لأنّ الاستعانةَ بغيرِ الله كالميِّتِ والغائِبِ شركٌ، فهل هذا صحيح؟

الجواب: الاستغاثةُ والاستعانةُ بالغائبِ والميِّتِ ليس شركاً، لأنّه قد وردت في روايات الفريقين عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ما يؤيد ذلك، منها:

  1. الاستعانة والاستغاثة بالغائب: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا ضَلَّ أحدُكم شيئاً، أو أراد أحدُكم غوثاً، وهو بأرضٍ ليسَ بِها أنيسٌ فَلْيَقُلْ: يا عبادَ اللهِ أغيثوني، يا عبادَ اللهِ أغيثوني، فإنّ لله عباداً لا نراهم). (تفسير الثعالبي: ج 2، ص71).
  2. الاستعانةُ والاستغاثةُ بالحيِّ والميِّتِ على حدٍّ سواء: وهي استغاثة الأعمى برسول الله (صلى الله عليه وآله) حين طلبَ منه أن يدعو له ليُشفى ولم يدعُ اللهَ (عز وجل) مباشرةً، فقال: (اللهم إنّي اسألك وأتوجّه إليكَ بمحمَّدٍ نبيِّ الرحمةِ، يا محمَّدُ إني توجهْتُ بِكَ إلى رَبّي في حاجَتِي هَذه لتُقْضَى..)، فقُضِيَتْ حاجتُهُ. (تاريخ دمشق، ابن عساكر: ج6، ص24).

وقد عَلَّمَ الصحابيُّ عثمان بن حنيف هذه الاستغاثة برسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) رجلاً في زمن عثمان بن عفان كان يأتي اليه في حاجة للرّجُلِ، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجتِهِ، فلما عملَ الرجلُ بها استجابَ عثمان بن عفان لحاجتِهِ وقضَاهَا لَهُ. (المعجم الصغير، الطبراني: ج١، ص١٨٣).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَلْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ (ع) مَعصُومَةٌ؟

السؤال: تقول الشيعة: إنَّ فاطمة الزهراء (ع) معصومة، فهل توجد أدلة على عصمتها من القرآن الكريم؟

الجواب: هناك عدة آيات قرآنية تدل على عصمتها (عليها السلام) من جميع الذنوب والمعاصي، منها آية التطهير في قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(الأحزاب:33). وهذه الآية تدل بالصراحة على عصمتها (عليها السلام). قال ابنُ جرير الطبري من أهل السنة في كتابه (جامع البيان في تفسير القران: ج20، ص262) في تفسير هذه الآية: (إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد، ويطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيراً).

ولا شبهة، ولا خلاف في كون الزهراء (عليها السلام) داخلة تحت هذه الآية المباركة، ومن أصحاب الكساء الخمسة الذين نزلت الآية بحقهم، بدليل قول الحسكاني: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّما يُرِيدُ الله.. الْآيَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي خَمْسَةٍ، فِي رَسُولِ الله وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ)(شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني: ج2، ص41).

السؤال:كيف نستطيع أنْ نثبت من القرآن الكريم أنَّ الزهراء (ع) أفضل من مريم(ع)، وبالتالي تكون معصومة كمريم(ع)؟

الجواب: إنَّ مريم الصديقة معصومة بنصّ القرآن الكريم لقوله سبحانه في حقّها: (وَإِذْ قالَتِ الْملائِكَةُ يا مَرْيَم إِنَّ الله اصْطَفاكِ وَطهَّركِ وَاصْطَفاكِ عَلى‏ نِساءِالعَالمَينَ)(آل عمران: 42)، فالاصطفاء هو أخذ صفوة الشي‏ء وتخليصه ممّا يكدر من الشرك وقذارة الذنوب،وهو عبارة عن العصمة الإلهية، (مفاهيم القرآن، جعفر سبحاني: ج3، ص413، بتصرف).

واستدل الكثير من العامة والخاصة بأفضلية فاطمة(ع) علىٰمريم:عن بن عباس قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):... وإنَّها لَسيدةُ نساءِ العَالمين، فقيل يا رسولَ الله، أهي سيدةُ نساءِ عالمها؟فقال (صلى الله عليه وآله):ذاك لمريم بنت عمران؛ فأما ابنتي فاطمة فهي سيدةُ نساءِ العالمينَ منالأولينَ والآخرينَ، وإنها لتقومُ في محرابها فيُسلِّم عليها سبعونَ ألف ملك من الملائكة المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكةُ مريمَ، فيقولون: يا فاطمةإِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ...))الأمالي، الصدوق: ج1، ص575).

وهذا الحديث يُخصِّصُإطلاقَ كلمة (العالمين) التي وردت في الآية القرآنية،أي أن مريم(ع) سيدة نساء عالمها، وفاطمة(ع) سيدة نساء الأولين والآخرين، وعليه تكون فاطمة (ع) أفضل منها، والنتيجة:أنَّ الأفضلَ من المعصومِ معصومٌ بطريقٍ أولى.

السؤال: هل يمكن إثبات عصمة الزهراء (عليها السلام) من الروايات؟

الجواب: الاحاديث التي قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ابنته الزهراء (عليها السلام) والتي تدل على عصمتها كثيرةٌ، منها هذه الرواية: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): (ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك) ( المعجم الكبير، الطبراني: ج١، ص١٠٨)، فاذا كان غضبها موافقاً لغضب الله في جميع الأحوال، وكذا رضاها، فهذا يعني أن رضاها وغضبها يوافقان الموازين الشرعية في جميع الأحوال، وأنها لا تعدو الحق في حالتي الغضب والرضا، وفي ذلك دليل ساطع على عصمتها (عليها السلام).

وبعبارة أوضح: (إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)، فلا يصح أنها ترضى عن فعلٍ فيه معصية، لأن ذلك معناه أن الله يرضى لمعصيتها، وهذا غير جائز في حقه تعالى، وكذلك الحال في الغضب، فهي لا تغضب بما يخرجها عن الطاعة الى المعصية؛ لأن الله يغضب لغضبها، ولا يُتَعَقَّل غضبه تعالى لغضبها الذي فيه معصية، فلا بد أن لا يكون غضبها فيه معصية، فالنتيجة: أنها (ع) لا يصدر منها المعصية لا في حال الغضب ولا في حال الرضا).

السؤال: هل يمكن إثبات عصمة الزهراء (عليها السلام) من حديث الثقلين؟

الجواب: إنَّ حديث الثقلين صحيح الاسناد عند السنة والشيعة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنّي تارِكٌ فِيكُم الثَّقَلَينِ: ما إنْ تَمسّكتُم بِهِما لَنْ تَضِلُّوا بعدي، كِتابَ الله، وعِتْرَتي أهلَ بَيتي، ولَنْ يَفْتَرِقَا حَتّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوضَ)(صحيح الترمذي، الترمذي: ج2، ص208).

فإنّ معنى عدم الافتراق في حديث الثقلين هو أعمّ من عدم الافتراق الزماني والمعنوي؛ فالزماني بمعنى أنّ القرآن والعترة باقيان معاً إلى يوم القيامة، فعدم الافتراق الزماني يثبت وجود هادٍ إلى يوم القيامة، والمعنوي بمعنى: أن كل ما هو موجود في القرآن لا يختلف عما هو موجود في العترة، فعدم الافتراق المعنوي يثبت العصمة لأن من جملة أوصاف القرآن هو أن لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، فكذلك بمقتضى عدم الافتراق المعنوي عدم إتيان الباطل من بين يدي أهل البيت (عليهم السلام)، ولا من خلفهم، وهذه هي العصمة، فيفهم من هذا: أنّ أهلَ البيتِ (عليهم السلام) معصومون أيضاً كالقرآن.

والنتيجة: بما أن فاطمة (عليها السلام) من أهل البيت قطعاً، فهي إذن معصومةٌ أيضاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَلْ يَجوزُ التَّوسُّلُ بغَيْرِ الله؟

السؤال: ترى بعض الفرق الإسلامية أنَّ التوسل بغيرِ الله لا يجوز؛ لأنَّه شركٌ، فهل هذا صحيح؟

الجواب: إنَّ التوسل بغير الله(سبحانه) كالأنبياء والأوصياء والأولياء جائزٌ، وليس شركاً ما دام هذا التوسل غير مستقل عن الله تعالى، والأدلة على هذا كثيرةٌ، منها:

1-توسل عائشة بقبر النبي (صلى الله عليه وآله): رَوَى أَبُو الجَوْزاءِ: قَحِطَ النّاسُ، فشكَوْا الى عائِشَة فَقَالَت: انْظُروا قبرَ النّبيّ (صلى الله عليه وآله)، فاجْعَلوا مِنْهُ كُوّةً (فتحة) الى السّماءِ، فَفَعَلُوا، فمُطِروا حَتَّى نبَتَ العُشْبُ، وسَمِنَت الإبلُ حَتَّى تفتّقَت، فسُمّي عَام الفَتَق. (المواهب اللّدنية، القسطلاني: ج3، ص374).

2-توسل الأنبياء بالنبي الاكرم(صلى الله عليه وآله): عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: (قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله): لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ(ترْكُ الأوْلَى) قَالَ يَا رَبِّ أسألُكَ بحقِّ محمَّد أنْ غَفَرْتَ لِي... فَقَالَ اللهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ إِنَّهُ لَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ، وَإِذْ سَأَلْتَنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ). (المستدرك، الحاكم الحسكاني: ج٢، ص٦١٥). وقال عنه الحاكم: هذا حديثٌ صحيحُ الاسنادِ.