البُكاءُ عَلَى الإمامِ الحُسَينِ (ع)
السؤال: ما هو رأيكم بصحة الحديث الوارد عن الإمام جعفر الصادق (ع): (من بكى أو تباكى على الحسين(ع) وجبت له الجنة)؟
الجواب: نعم ورد في أحاديث متعددة ـ جملة منها معتبرة ـ الوعدُ بالجنة لمن بكى على الحسين (ع)، كما في بعضها مثل ذلك لمن تباكى عليه، أو أنشد شعراً فتباكى عليه.
ولا غرابة في ذلك؛ إذ الوعد بالجنة قد ورد في أحاديث الفريقين في شأن جملة من الأعمال، ومن المعلوم أنه لا يراد بذلك أن يشعر المكلف بالأمان من العقوبة حتى لو ترك الواجبات وارتكب المحرمات، وكيف يشعر بذلك مع ما ورد من الوعيد المغلظ في الآيات بالعقوبة على مثل ذلك؟! بل المفهوم من هذه النصوص على ضوء ذلك: أن العمل المفروض يجازى عليه بالجنة عند وقوعه موقع القبول عنده سبحانه، وتراكم المعاصي قد يمنع من قبوله قبولاً يفضي به إلى الفوز بالجنة والنجاة من النار.
وبتعبير آخر: إن العمل الموعود عليه يمثّل نقطة استحقاق للجنة، وفاعلية هذه النقطة تماماً منوطة بأن لا تكون هناك نقاط مقابلة توجب استحقاق النار بارتكاب الأعمال التي أوعد عليها بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البُكاءُ عَلَى الحسينِ(ع) لا يُنَافي الصَّبْرَ
السؤال: يقال: إنّ البكاء والحزن على الامام الحسين (ع) ينافي الصبر لأنّه جزع، والجزع حرام لا يَرْضَى به الله تعالى؟ فكيف الجواب عن هذه الشبهة؟
الجواب: إنّ فقد الأحبّة وموت الأعزّة يجعل النفس تتحسر وتتألم على من أحبَّتْهُم بالفطرة، وهذا الشيء الفطري خارج عن إرادة الانسان، فلا يكون منافياً لصبره، وانما يكون هذا الانسان من أشد الصابرين إذا لم يخرج عن الحدود الشرعية التي رسمها الله تعالى للبشر، قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) لما اعتُرِضَ على بُكائه على ولده إبراهيم: (العَيْنُ تَدْمَعُ وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ وَلا نَقُولُ إِنْ شَاءَ اللهُ إِلا مَا يُرْضِي الرَّبَّ، وَإِنَّا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)(دلائل النبوة، البيهقي: ج5، ص430)، أي لم يخالف النبيُّ (صلى الله عليه وآله) حكماً شرعياً، ولطالما بكى لفقد كثير من أُمّته، بكى لأُمّ المؤمنين خديجة(كشف الغمّة، الاربلي: ج١، ص٣٧) ولعمّه أبي طالب (الطبقات الكبرى، ابن سعد: ج١، ص١٢٣)، وفعل النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) حُجّةُ لنا يومَ القيامة.
والنبي يعقوب (ع) بكى على ولده النبي يوسف (ع) كما يخبرنا القرآن الكريم حتى ذهب بصرُهُ من شدة وكثرة البكاء عليه، قال تعالى: (وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ )(يوسف:84)، فلو كان جزعاً من النبي يعقوب(ع) لما فعله؛ لأن الأنبياءَ لا يعصونَ اللهَ (عزوجل)، ولا يخالفونَهُ كما يذهبُ إليه الإمامية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البُكاءُ عَلَى الميتِ
السؤال: يقال إِنَّ البكاءَ على الميتِ يُعذِّبُ الميتَ في قبره، فهل توجد مشروعية للبكاء على الميتِ؟
الجواب: تعتقد الشيعة الإِمامية بجواز البكاء على الميت، بل بعض الرِّوايات تشير إِلى استحبابِ البُكاءِ على المَيّت، والأَدلةُ على جوازِ البُكاءِ واستحبابهِ كثيرةٌ وواضحةٌ:
منها: يومَ اشتكى سعدُ بنُ عُبَادة، فأتاه النَّبيُّ (صلى الله عليه وآله) يعودُهُ ومعَهُ بعضُ أَصحابهِ، فوجده في غاشيةِ أَهلهِ، فقالَ (صلى الله عليه وآله): قَدْ قَضَى؟ قالوا: لا يا رسولَ اللهِ، فَبَكَى النَّبيُّ(صلى الله عليه وآله)، فلمَّا رَأَى القومَ بكاءَهُ بَكوا، فقالَ (صلى الله عليه وآله): (إِنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ القَلْبِ، وَإِنَّمَا يُعَذِّبُ بِهَذَا- وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ-..) (صحيح البخاري: ج3، ص209).
ومنها: بُكاءُ النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) على ابنهِ إِبراهيمَ لمّا مَاتَ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): (الْعَيْنُ تَدْمَعُ وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ وَلا نَقُولُ إِنْ شَاءَ اللهُ إِلا مَا يُرْضِي الرَّبَّ، وَإِنَّا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ) (دلائل النبوة، البيهقي: ج5، ص430).
ومنها: يَوْمُ استشهادِ جَعْفرِ الطَّيّار، إِذْ جَاءتِ النَّبيَّ (صلى الله عليه وآله) امرأتُهُ أَسماءُ بنتُ عُمَيْس فَعَزّاها، وَدَخَلَتْ فَاطمةُ (عَليْهَا السَّلامُ) وَهيَ تَبْكي وتقولُ: وآعمّاه، فقالَ النَّبيُّ(صلى الله عليه وآله): (عَلى مِثْلِ جَعْفَرٍ فَلتَبكِ البَوَاكي) (الاستيعاب: ابن عبد البر: ج1، ص243).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّوَسُّلُ والشَّفَاعَةُ والدُّعَاءُ
السؤال: ما هو الفرقُ بينَ التّوسُّلِ والشَّفاعةِ والدُّعاءِ؟
الجواب: الشّفاعةُ هي التي تكون للنبيِّ (صلى الله عليه وآله) في يومِ القيامة، قالَ اللهُ تَعَالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ) (الضحى:5)، وحقيقةُ الشفاعةِ وفائدُتها هي: (طلبُ إِسقاطِ العِقَابِ عنْ مُسْتَحقِّهِ، وَلَا خلافَ في أَنَّ طلبَ إِسقاطِ الضَّرر ِوَالعِقَابِ يكونُ شَفَاعةً على الحقيقةِ). (رسائل الشريف المرتضى: ج1، ص150).
أَمَّا التوسُّلُ فهو: (أَن يُقدِّم العبدُ إِلى ربّهِ شيئاً، ليكونَ وسيلةً إِلى اللهِ تَعَالى لأَنْ يتقبّلَ دعاءَه، وَيُجيبَهُ إِلى مَا دَعَا، وَيَنالَ مَطْلوبَهُ) (التوسل، جعفر سبحاني: ص18)، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة: 35).
وَأَمَّا الدُّعاء: فقدْ وردَ بمعانٍ مختلفةٍ في القرآنِ الكريم، منها: طلبُ الحاجةِ، فالإِنسانُ يطلب من اللهِ تَعَالى حاجتَهُ، ويجعلُ بينَهُ وبينَ الباري واسطةً، ويرى في نفسِ الوقتِ أَنّ اللهَ تعالى هو مسبّبُ الأَسباب، وأَنّ جميعَ الأُمورِ في قبضتهِ وبمشيئتهِ، ولكنّهُ يتقرّبُ إِليهِ من خلالِ التوسُّلِ بأَوليائهِ، ويطلبُ منهُ الحاجةَ بواسطتِهم.(على مفترق طريقين، ناصر مكارم الشيرازي: ص98)، قالَ تَعَالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا)(سورة البقرة:61).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجبْرُ والإخْتِيَارُ
السؤال: هل الانسان مخيَّر أو مسيَّر في أفعالهِ؟
الجواب: الناس في مسألة الجبر والاختيار على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: القائلون بأن الإنسان مخيّر مطلقاً في أفعاله، ويطلق على هؤلاء المفوضة، ومعنى التفويض أن الله تعالى فوَّض إلى الإنسان اختيار أفعاله، وهو مستقل عن الله تعالى في هذا الاختيار، فله الحرّية الكاملة في الفعل والترك خارج سلطان الله سبحانه، وقد ذهب إلى هذا الرأي أغلب المعتزلة.
الصنف الثاني: القائلون بأن الإنسان مجبر على أفعاله ومسير فيها، أي أنه كالدمية بيد صاحبها يحركها ويوجهها كيف يشاء، واستدلوا على رأيهم هذا ببعض الآيات القرآنية كقوله تعالى: (وَمَا رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) (الأنفال:17)، وقوله: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ) (الانسان:30)، وغيرها، وقد ذهب إلى هذا الرأي عامة الأشاعرة.
الصنف الثالث: وهم القائلون بأن الانسان في منزلةٍ بين الجبر والتفويض، فليس هو مخيّر تماماً، ولا مجبر تماماً، بل هو بين بين، ومثلوا له بالطير المحبوس في القفص، فهو حر في حركته داخل القفص يستطيع أن يتحرك فيه كيف يشاء، ولكنه بالنسبة إلى الخارج مجبر وغير قادر على الحركة، وقد ذهب إلى هذا الرأي جميعُ شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، واستدلّوا عليه بآيات من كتاب الله عز وجل كقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفساً إِلَّا وُسعَهَا) (البقرة:286) وغيرها، كما استدلوا عليه بأحاديث عن الأئمة (عليهم السلام) كقول الامام الصادق (ع): (لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحَقِيقَةُ الإنْسَانِيَّةُ
السؤال: ما هي حقيقةُ الانسان؟ هل هي الروح أم البدن؟
الجواب: إنَّ حقيقةَ الإنسانِ هي روحه ونفسه وليس جسده المادي، وإذا استعرضنا الآيات القرآنية نجد أنَّ بعضها يدلّ بوضوح وبعضها بالإشارة على هذه الحقيقة.
بيان ذلك: كان المشركون يستبعدون إمكانية عودة الإنسان بعد تفكّك جسمه الماديّ وتبدّده في التراب، ولهذا اعترضوا على فكرة الحشر والنشر يوم القيامة، فعبَّرَ القرآنُ الكريمُ عن اعتراضهم بقوله: (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ)(السجدة:10)، فالكافرون يقولون إنَّ الموت يوجب فناء البدن، وتفتت أجزائِهِ وضياعها في ذرات التراب، فكيف يمكن جمع هذه الأجزاء المتبعثرة، وإعادة تكوين الإنسان مرة أُخرى من جديد؟!
قال العلامة الطباطبائي في تفسيره لهذه الآية: (إنّ حقيقة الموت ليس بطلاناً لكم، وضلالاً منكم في الأرض، بل ملَكُ الموتِ الموكَّل بكم يأخذكم تامِّين كاملين من أجسادكم، أي ينزع أرواحكم من أبدانكم، بمعنى قطع علاقتها من الأبدان، وأرواحكم تمام حقيقتكم)(الميزان: ج16، ص252).
فَرَدَّ القرآنُ الكريمُ عليهم: (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)(السجدة:11)، قال الشيخ جعفر السبحاني: (إذن فالضال في التراب من الإنسان بسبب الموت هو القشر والبدن، وأمّا حقيقته وهي الروح الإنسانية التي بها قوام شخصيته فلا يطالها الفناء ولا ينالها الدثور)(الحياة البرزخية: ص18).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحَيَاةُ الدّنيويَّةُ والحَيَاةُ البَرْزَخِيَّةُ
السؤال: ما هي الحياة الدنيوية؟ وما هي الحياة البرزخية؟ وهل يمكن إيضاحهما بشكل مختصر؟
الجواب: إنّ الانسان يعيش في حياته وهو يحاول أنْ يؤمِّنَ أفضلَ وأحسنَ شيءٍ لجسده المادي من الشهوات والغرائز لإمتاع هذا الجسد واشباعه بهذه المشتهيات، وهذا ما يعبَّر عنه بالحياة الدنيوية، قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الُمقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الُمسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(آل عمران:14)، والمتاع أي القليل، فالحياة الدنيا وإنْ كانت متاعاً قليلاً، ولكن الانسان يذهب إليها ويرغب فيها.
وأما بعد الموت ينتقل الانسان إلى حياةٍ أخرى في القبر؛ وهي الحياة الوسطية بين الحياة الدنيوية والحياة الأُخروية، وهذا ما يسمى بالحياة البرزخية، فما الذي ينتقل من الانسان إلى هذه الحياة؟ هل هو جسده المادي أم روحه؟
قال الشيخ جعفر السبحاني: (العلماء في هذا المجال على رأيين: الأوّل: الإنسان موجود آلي مركّب من عِرْقٍ وعَصَبٍ ولحمٍ وعظمٍ،...، وليس وراءَ هذا التركيب المادّي أيّ وجود آخر باسم الروح والنفس،...، الثاني: أنّ واقع الإنسان الذي به يعدّ إنساناً هو نفسه وروحه،...، فالإنسان هو الروح، والجسمُ كسوةٌ عَلَيْهِ)(الحياة البرزخية، ص10).
ورأي أكثر المحققين على الثاني، أي أنَّ حقيقةَ الإنسانِ هي الروح، وهو ما ذهب إليه محقّقينا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجعة وظهور القائم(عج)
السؤال: ما هو الفرق بين الرجعة، وظهور الامام المهدي (عج)؟
الجواب: معنى الرجعة: أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وطوائف كثيرة من الأموات، سوف يرجعون الى هذه الحياة الدنيا، وتبدأ الرجعة بعد ظهور الامام المهدي (عج)، وقبل شهادته، ويكون ابتداؤها برجوع الامام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم الأئمة الآخرون واحداً بعد واحد، وتمتدّ فترة الرجعة قروناً طويلة جداً. (الامام المهدي (عج) من المهد إلى الظهور، السيد محمد كاظم القزويني: ج1، ص643).
والرجعة سنّة من سنن الله (عزوجل) كما ورد في الاحاديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله) منها: (لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو أنّ احدهم دخل جُحر ضبّ لدخلتم). (الدر المنثور، جلال الدين السيوطي: ج7، ص480).
وقد يتصور البعض ان الرجعة هي نفس ظهور الامام الحجة (عج) أو قبله، إلّا أنّ الظاهر من الروايات إنّ الرجعة تكون بعد ظهور القائم (عليه السلام)، ولم نعثر على رواية تشير الى العكس، فمثلاً في (غيبة الطوسي: ص 459)، في رواية عن المفضل بن عمر قال: (ذكرنا القائم (عج)، ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام أتى المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا، إنه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحقَ به فالحقْ، وإن تشأ أنْ تقيم في كرامة ربك فأقمْ).
وقد ورد في دعاء العهد ما يشير الى أنّ الرجعة بعد ظهور الامام (عج): (اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً، فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني، شاهراً سيفي، مجرّداً قناتي، ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي). (بحار الانوار، العلامة المجلسي: ج86، ص61).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرُّوحُ مُنَعَّمَةٌ أو مُعَذَّبَةٌ
السؤال: هل أنَّ المعذّب أو المنعَّم في القبر هو الروح أم البدن؟
الجواب: ذهب الكثير من العلماء إلى أنَّ العذاب أو النعيم في عالم البرزخ يقع على الروح وليس على البدن، منهم الشيخ الصدوق (الاعتقادات: ص47).
وقد نبّهَ أهلُ البيت (عليهم السلام) المؤمنين من عذاب القبر، فهناك الكثير من الأدلة على أنَّ المنعم أو المعذَّب في القبر هو الروح، منها هذه الرواية: قَالَ أميرُ المؤمنينَ (ع): (يَا عِبَادَ اللهِ، مَا بَعْدَ المَوْتِ لِمَنْ لاَ يُغْفَرُ لَهُ أَشَدُّ مِنَ المَوْتِ، القَبْرَ، فَاحْذَرُوا ضِيقَهُ وَضَنْكَهُ وَظُلْمَتَهُ وَغُرْبَتَهُ)(بحار الأنوار، المجلسي: ج74، ص390).
فالإمام (ع) يُبَيَّنُ في هذا الحديث أنَّ الانسان في حياته قد يتألم جسده ويشكو من الألم، ولكن هذا العذاب في القبر يكون أشدّ؛ لأنَّ روحَهُ هي التي تتعذب، فلما يقول الامام(ع): (الْقَبْرَ، فَاحْذَرُوا ضِيقَهُ وَضَنْكَهُ..) يقصد الروح لا البدن، لأنه من الواضح أنَّ جسد الميت لا يشعر ولا يحس، ولذلك ورد مثلاً في بعض الروايات الاستحباب في توسيع قبر الميت، فيفهم منه أنّ الروح تشعر بالضيق من العذاب، لأنه من الواضح جداً أنَّ البدن لا يكبر حجمه ولا يتوسع في القبرِ حتى يُوسَّعَ له القبرُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنى حديث (السعيدُ سعيدٌ في بطن أُمّهِ، والشقيُّ شقيٌّ في بطن أُمّهِ)
السؤال: هل يقتضي حديث: (السعيد سعيد في بطن أُمّهِ، والشقي شقي في بطن أُمّهِ) أن يكون الانسان مجبوراً في إرادته وأفعاله؟
الجواب: لعله يُتَخَيَّل أن معنى السعادة والشقاوة في هذا الحديث أمران ذاتيان في أصل تكوين السعيد والشقي، بحيث لا يسع السعيد أن يصير شقياً، ولا يسع الشقي أن يصير سعيداً، وأن الله تعالى خلقه وهو في بطن أمه سعيداً أو شقياً، فلابد للسعيد أن يختار الطاعات، ولابد للشقي أن يختار المعاصي، فهما مجبران على سلوك سبيلي السعادة والشقاء.
ولكن يظهر - بعد التأمل في الحديث الشريف، على فرض صدوره عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (ع) وعدم كونه من الموضوعات- هذا المعنى: (أن السعيد يميل إلى فعل مقتضى السعادة من الخيرات والطاعات، وهو في بطن أمه، والشقي يميل إلى فعل مقتضى الشقاء من الشرور والمعاصي، وهو في بطن أمه، إلّا أن ذلك الميل ليس على نحو العلة التامة، وإلا لأمتنع التكليف؛ إذ التكليف العام يقتضي إمكان أن يسعد كل من يتبع مقتضى السعادة، وأن يشقى كل من يتبع مقتضى الشقاء باختياره، وإن كان على خلاف ما يميل إليه)، وهذا المعنى من الحديث لا يقتضي الجَبرَ، بل يبقى الاختيار للإنسان متاحاً.
وبعبارة واضحة: يفسر لنا الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام) الرواية النبوية، وهو ما ذكره ابن أبي عمير أنّه قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن معنى قول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): الشقيّ من شقي في بطن أمّه، والسعيد من سعد في بطن أمّه، فقال: الشقيّ من علم اللّه وهو في بطن أمّه أنّه سيعمل أعمال الأشقياء، والسعيد من علم اللّه وهو في بطن أمّه أنّه سيعمل أعمال السعداء. (التمهيد في علوم القران، محمد هادي معرفة: ج3، ص359).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشخصيةُ الوهميةُ عبدُ اللهِ بن سَبَأ
السؤال: من هو عبد الله بن سبأ؟ وهل كان يهودياً؟ وهل له دور في تأسيس المذهب الشيعي؟
الجواب: كان عبد الله بن سبأ يهودياً، من أهل صنعاء، من أمة سوداء، فأسلم زمن عثمان بن عفان، ثم تنقل في بلاد المسلمين، يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثم بالبصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر.... (تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: ج29، ص4).
وهناك نظريتان فيه: إحداهما تقول: أنّه شخصية وهمية، والأخرى تقول: بأنّ له وجوداً، ولكن أعداء التشيّع أرادوه وسيلةً يتخذونها للطعن بالتشيّع، وخير وسيلة كانت لهم أن جعلوا من ابن سبأ شخصية تأريخية كبيرة، نسبوا إليه تأسيس التشيّع.
وخير ما قالَ من كلمات في حق هذا الشخص، الباحثُ (محمد كرد علي) في كتابه (خطط الشام: ج6، ص251): (وأما ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنّ مذهب التشيّع من بدعة عبد الله ابن سبأ المعروف بابن السوداء، فهو وَهْم،ٌ وقِلّةُ علمٍ بتحقيق مذهبِهم، ولمن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة، وبراءتهم منه، ومن أقواله، وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه، بلا خلاف في ذلك، عَلِمَ مبلغَ هذا القول من الصواب).
قال الدكتور طه حسين: (إن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلّفاً منحولاً، أراد خصومُ الشيعة أن يدخلوا في أصولِ هذا المذهبِ عنصراً يهوديّاً، إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم)، ودعم رأيه بأمور، منها: (أنّ كلّ المؤرّخين الثقاة لم يشيروا إلى قصّة عبد الله بن سبأ، ولم يذكروا عنها شيئاً، وأنّ المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر، وهو رجل معلوم الكذب ومقطوع بأنّه وضّاع...) (عليّ وبنوه، طه حسين: ج4، ص518 ـ 519).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشَّعَائِرُ الحُسَينيَّةُ لَيْسَتْ بِدْعَةً
السؤال: هل يصحّ إطلاق عنوان البدعة على الشعائر الحسينية؟
الجواب: البدعة هي: إدخال ما ليس في الدين في الدين. (مفهوم البدعة وشروطها، محمد هادي الاسدي: ص27)، فلا يصحّ إطلاق البدعة على الشعائر الحسينية أبداً؛ لأنّ الشعائر الحسينية مصاديق ورموز تعبيرية عن مفهوم الحزن على استشهاد الإمام الحسين (ع) الذي أكّد عليه أئمّةُ أهلِ البيت (عليهم السلام)؛ فقد قال الإمام الصادق (ع): (رحم الله من أحيا أمرنا). (بحار الأنوار، المجلسي: ج2، ص151، الباب19، ح30).
وقال الإمام الرضا (ع): (من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب). (أمالي الصدوق، الصدوق: ص٦٨، ح٤)، وقد ورد كثير من الروايات في هذا المجال.
وأمّا بالنسبة إلى مصاديق الشعائر الحسينية فإنّ للحزن على سيّد الشهداء (ع) طرقاً مختلفةً، وكلّ فئة تعبّر عن حزنها بأُسلوبها وطريقتها المألوفة عندها، والتعدّد في هذه الأساليب لا صلة له بالبدعة أبداً، وإنّما هذه المصاديق يصحّ التمسّك بها فيما لو كانت مؤيّدة من قبل العُرف، وحتّى لو كانت غير مؤيّدة من الناحية العرفية فإنّها لا تكون بدعة، بل تصبح أمراً غيرَ مألوفٍ، وأُسلوباً تعبيرياً غير معروف وغير متعارف بين الناس، ويتوجّه إليها النقد من هذه الجهة، لا من ناحية أُخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشفاعة في البرزخ
السؤال هل توجد الشفاعة في البرزخ؟ ما هو الدليل على ذلك؟
الجواب: يوجد الكثير من الروايات التي تدل على وجود الشفاعة في البرزخ، نذكر روايتين في المقام:
الأولى :رواية قيام النبي (صلى الله عليه وآله) على قبر فاطمة بنت أسد (عليها السلام) نقلها صاحب شرح الاخبار: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفن فاطمة بنت أسد، أم علي (ع) بالروحاء، وكفنها في قميصه، ونزل في قبرها، وتمعّك (تمرّغ) في لحدها، فقيل له في ذلك، فقال: أحببت أن يوسع الله(تعالى) عليها في قبرها، ودعا لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجزاها خيراً. (شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، القاضي النعمان المغربي: ج3، ص215).
الثانية :ما في (البحار ج 6، ص194) عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) أنه قال:- (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي ان فيك مثلاً من عيسى ابن مريم (ع)، قال الله (تعالى): )وإِن مِن أَهلِ الكِتابِ إِلَّا لَيُؤمِنَنَّ بِه قَبلَ مَوتِه ويَومَ القِيامَةِ يَكُونُ عَلَيهِم شَهِيداً( النساء:159، يا علي إنه لا يموت رجل يفتري على عيسى بن مريم (ع) حتى يؤمن به قبل موته، ويقول فيه الحق حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وانك على مثله لا يموت عدوك حتى يراك عند الموت فتكون غيظاً وحزناً حتى يقر بالحق من أمرك، ويقول فيك بالحق ويقر بولايتك حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وأما وليّك فإنه يراك عند الموت فتكون له شفيعاً وبشيراً وقرةَ عين).
فيتضح من هاتين الروايتين وغيرهما: ان حضور النبي(صلى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) عند المحتضرين وحضورهم (صلوات الله عليهم) في حال حياتهم على جنائز المؤمنين، والترحم والاستغفار في حقهم؛ لاستخلاصهم من سكرات الموت وضغطة القبر يشمل الشفاعة في البرزخ.
وهذه الشفاعة ليست لاستخلاص المحتضر من شدة النزع فقط، بل هي شفاعة له في طول إقامته في البرزخ، كما هو صريح الرواية الثانية -(فتكون له شفيعاً وبشيراً وقرة عين)-، فإن البشارة راجعة إلى مستقبل امره، وكذلك سروره برؤية النبي وآله (صلوات الله عليهم) وفرحه وقرة عينه بلقائهم، كما هو صريح عدة من الروايات الظاهرة في ان هذا الفرح والسرور ما دام قاطناً في البرزخ سواء كان ذلك من باب الشفاعة لأوليائهم أو من باب الولاية الموهوبة لهم من الله كرامةً وتشريفاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشِّيعَةُ وَتُهْمَةُ السُّجُودِ لِلْأَئِمّةِ (عَليِهم السَّلام)
السؤال: يتّهمُ البعضُ الشيعةَ بأَنّهم يسجدون لأَئِمتهم عند زيارتِهم لمراقدِهم وينحنون لهم، ويدّعون أَنّ هذا شركٌ، فكيف الجواب عن هذهِ الشُّبْهة؟
الجواب:
فَتَبَيَّنَ مِمّا ذكرنا: أَنّ تقبيلَ يدِ النبيِّ(صلى الله عليه وآله)، أَو الإِمام(ع)، أَو الوالدين، أَو تقبيلَ القرآن، أَو تقبيلَ أَضرحةِ الأَولياء وما يتعلّق بهم من آثار هو تعظيمٌ وتكريمٌ لهم، وليس عبادةً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيعةُ يعظِّمونَ كلَّ الشّعَائِرِ
السؤال: يقول البعض: لماذا يُعَظِّمُ الشيعةُ الشعائِرَ الحسينيةَ فقط، ولا يعظمون باقي مناسبات أهل البيت (ع)؟
الجواب: إن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) تعظم كل المناسبات والشعائر على حدٍّ سواء، ولا تُقَصِّر في أية مناسبة، سواء كانت للرسول (صلى الله عليه وآله)، أو لأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولكن هذه شبهة تحصل عند البعض بسبب وجود مرقد النبيّ الأكرم وبعض الائمة (صلوات الله عليهم) في المدينة المنوّرة؛ فإنّه لا يسمح للشيعة هناك بإقامة المناسبات التي فيها تعظيم لشأن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكثير من هذه المناسبات التي ترتبط بالنبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله)، يجتمع لها شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لإحيائها غالباً عند نَفْسِ النّبيّ(صلى الله عليه وآله) بنصّ آية المباهلة، وهو الإمام عليّ (ع)، إذ يقام في مدينة النجف الأشرف إحياء ذكرى وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله) ومولده، والمبعث النبوي، والغدير وغيرها من المناسبات.
أمّا شعائر الإمام الحسين(ع) فباعتبار أن الامام الحسين (ع) مدفون بكربلاء، فيستطيع شيعةُ أهل البيت (ع) أن يُحْيُوا الشعائر الحسينية بحُرِّيَّةٍ تامّة في هذه الأيام، ولو فُسِحَ المجالُ في المدينة لَوَجَدْتَ شيعة أهل البيت(عليهم السلام) يحيون كلّ تلك المناسبات عند قبر الرسول(صلى الله عليه وآله)، وَلَوَجَدْتَ مدى تعظيمهم لمقام الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحابةُ بينَ العدالةِ وعدمِها
السؤال: هل القولُ بعدالةِ جميعِ الصحابةِ صحيحٌ؟
الجواب: يعتقد الشيعة الامامية أنّ القول بعدالة جميع الصحابة ليس صحيحاً، وذلك:
أولاً: إنّ القرآن الكريم بيّنَ أصناف وأقسام الصحابة، ففيهم المؤمنون، وفيهم المنافقون، وفيهم الصالحون، وفيهم العصاة، وفيهم أصحاب الاطماع والمصالح، ومنهم المرتدون، ومنهم من نزلت فيه آية الفسق، وو...، فبيَّنَ (سبحانه) أحوالهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لهم (تعالى) وهو يخاطبهم: (وَمَا محَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَد خَلَت من قَبله الرّسل أَفَإن مَاتَ أَو قتلَ انقَلَبتم عَلَى أَعقَابكم وَمَن يَنقَلب عَلَى عَقبَيه فلَن يَضرَّ اللهَ شَيئاً وَسَيَجزي اللهُ الشَّاكرينَ). (آل عمران:144).
وثانياً: السنّة النبوية الشريفة، فنكتفي منها بإيراد حديث صحيح في البخاري عن أبي هريرة يبيّن واقع الصحابة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتبديلهم لدينهم واجتهادهم في مقابل النصوص:
عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله): (...ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال: هلم قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أعقابهم القهقرى، فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم). (صحيح البخاري: ج٤، ص٩٤ - ٩٩).
فالنتيجة: أنَّ الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ، وشرّعَ له شريعة ليبلّغها الى المسلمين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ). (المائدة:67)، فمن التزم بهذه الشريعة بكل أبعادها من الأوامر والنواهي فهو مؤمن بحقّ، ويجب على جميع المسلمين احترامه، وتقديره، والترحّم عليه، ومن ضيّع هذه الأوامر أو بعضها، فإن كان عن جهل وقصور فهو معذور، وإن كان عن عمد، وعناد، واستخفاف بأوامر الله ورسوله، فهو وإن لم يخرج عن الاسلام إذا بقي ملتزماً بالشهادتين، لكن يعتبر خارجاً عن طاعة الله ورسوله، وموجباً للحكم عليه بالفسق، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العَذابُ والنَعيمُ بالروحِ أو بالجسدِ المَادي
السؤال : هل العذاب والنعيم في القبر والحشر يوم القيامة من مختصات الروح؟ أم الجسد المادي؟
الجواب: يقول الشيخ المفيد في كتابه: (تصحيح اعتقادات الإمامية: ج1، ص98): قد ورد عن الأئمة (عليهم السلام) أنهم قالوا: ... فأما عذاب الكافر في قبره، ونعيم المؤمنين فيه، فإنَّ الخبر أيضاً قد ورد: بأن الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا في جنة من جنانه ينعمه فيها الى يوم الساعة، فإذا نفخ في الصور، أنشأ جسده الذي بلي في التراب، وتمزق، ثم أعاده إليه، وحشره الى الموقف، وأمر به إلى جنة الخلد، فلا يزال منعماً ببقاء الله (عز وجل)، غير أن جسده الذي يعاد فيه يكون على تركيبته بالدنيا، بل تعاد طباعه وتُحسَّن صورته فلا يهرم مع تعديل الطباع ولا يمسه نصب في الجنة ولا لغوب، والكافر يجعل في قالب كقالبه في الدنيا، في محل عذاب يعاقب به، ونار يعذب بها حتى الساعة، ثم انشىء جسده الذي فارقه في القبر، ويعاد إليه، ثم يعذب به في الآخرة عذاب الأبد، ويركب أيضاً جسده تركيباً لا يفنى معه.
ويقول الشيخ السند في كتابه (عوالم الإنسان ومنازله: ج1، ص173): (عندما يعبَّر بعذاب الروح، وعذاب الجسد، المراد: أن العذاب من العوارض والفوادح التي تطرأ على البدن وعلى الروح، ولكن المدرك للعذاب ومركز الإدراك هو الروح، ولذلك عندما يقال عذاب روحي، وليس عذاب البدن، تارة يراد من ذلك: أن البدن لا يدرك العذاب، وإنما الروح هي التي تدرك العذاب الذي يحل بالبدن، والآلام والفوادح التي تحل بالبدن، فهذا صحيح أن مركز الإدراك هو الروح، وأخرى يراد: أنَّه عذاب روحي وليس ببدني، وكأنه لا يجري شيء على البدن، ولا يتوسط البدن، وتعيش الروح في حالة احتباس معنوي، فهذا حصر للعذاب بالعذاب الروحي، وهذا غير صحيح).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العصمةُ لا تنافي الإخْتيَار
السؤال : هل العصمة تنافي اختيار المعصوم؟ أعني هل يكون المعصوم مجبوراً على عدم فعل المعصية فلا فضلَ لَه؟
الجواب: العصمة لا تعني الجبر على الفعل، وإنما هي تعني قوة العقل بحيث لا يُغلب، وهي لا تتنافى مع التكليف والثواب والعقاب، فالمعصوم حاله كحال الناس في التعامل مع الشهوات والحالات الإنسانية من الانفعال، والغضب، وما شابه ذلك، إلّا أنّ الفرق بيننا نحن - أي غير المعصومين - والمعصوم أنّ الوضوح الذي يراه بقبح الأشياء المحرمة والمكروهة أكثر مما نراه نحن، وهذا الوضوح هو الذي يدفعه إلى عدم ارتكاب الحرام أو فعل المكروه، وهذا ليس جبراً بل هو زيادة ألطاف للقوى العقلية والروحية للمعصوم مع وجود الحالة الشهوية وبقية القوى الأخرى من الغضبية وغيرها عنده.
وبعبارة أوضح: إنّ العصمة هي مناعة وصيانة عن الوقوع في الخطأ والمعصية، ولكن هذه المناعة لا تنفي قدرة واختيار المعصوم (ع)، بل إنّ صدور الخطأ ممكن منه (ع) من حيث الفرض، ولكن لا يقع عملاً، وإن شئت عبّرت عن الموضوع بأن المعصوم (ع) لا يصدر منه الخطأ والمعصية في الخارج، وإن كان صدورها منه (ع) ممكن الوقوع عقلاً، الامر الذي اقتضى كون المعصوم (عليه السلام) مكلّفاً بالأحكام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العلَاقَةُ بَيْنَ الحَيَاةِ الدّنيَويَّةِ والحَيَاةِ البَرْزَخِيَّةِ
السؤال: ما هو دليل العلاقة بين الحياة الدنيوية والحياة البرزخية من القرآن الكريم؟
الجواب: تمرُّ على الانسان في حالة النوم بعض الحالات التي يراها في عالم الرؤيا، وقد تنعكس هذه الرؤيا على دينه ونفسيته وشخصيته، فتؤثر فيه، ويكون غير منقطع عن الدنيا وهو في النوم الذي هو كالموت، قال الشيخ جعفر سبحاني: (إنّ البرزخيّين غير منقطعين عمّا يجري في الحياة الدنيوية، وإنهم يسمعون إذا دُعُوا، ويجيبون إذا سُئلوا بإذْنٍ منه سبحانه، والبرزخ وإن كان بمعنى المانع والحائل لكنّه حائل عن الرجوع إلى الدنيا)(الحياة البرزخية: ص38).
وتدلّ على وجود العلاقة والصلة بين الحياتين بهذا المعنى مجموعة من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى:(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)(الأعراف: 78-79).
يُخبرُ اللهُ تعالى في هذه الآية عن النبي صالح (ع) أنّه دعا قومه إلى عبادة الله، وتركِ التعرّضِ لمعجزته (الناقة)، ولكنّهم عقروا الناقة ولم يطيعوه، فأهلك الله أُمّةَ النبي صالح (ع)، وبعد ذلك يخبر الله تعالى أنّه (ع) تولّى عنهم، ثم خاطبهم قائلاً: (لَقد أبلغتُكُمْ رسالةَ ربِّي ونَصحْتُ لَكمْ ولكنْ لا تُحبُّونَ النّاصِحِين)، فالخطاب صدر من النبي صالح لقومه بعد هلاكهم وموتهم، وهذا دليل واضح على استماعهم له وهم أموات.
السؤال: ما هو دليل العلاقة بين الحياة الدنيوية والحياة البرزخية من الروايات؟
الجواب: توجد الكثير من الروايات التي تدل على العلاقة بين الحياتين الدنيوية والبرزخية، منها: خطاب النبيّ(صلى الله عليه وآله) لقتلى معركة بدر من المشركين: (يا أهلَ القَلِيب (البئر) هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً؟ فإنّي قد وجدتُ ما وعدني ربّي حقّاً، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله أتنادي قوماً موتى؟ فقال (صلى الله عليه وآله) ما أنتم بأسمع منهم، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني)(السيرة النبوية، ابن هشام: ج1، ص649).
ومنها: إنَّ الإمام علياً(ع) في معركة الجمل بعد أن وضعت الحرب أوزارها مرّ على كعب بن سور وكان قاضي البصرة فقال لمن حوله: (أجلسوا كعب بن سور)، فأجلسوه وهو صريع، فقال(ع): (يا كعب بن سور قد وجدتُ ما وعدني ربّي حقّا، فهل وجدْتَ ما وَعَدَكَ ربُّكَ حقّا؟)، ثم سار قليلاً حتى مرّ بطلحة بن عبيد الله صريعاً، فقال(ع): (أجلسوا طلحة) فأجلسوه، فقال(ع): (يا طلحة قد وجدتُ ما وَعَدَني ربّي حقّاً، فهل وَجَدْتَ ما وَعَدَكَ ربُّكَ حقّا؟)، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك؟! فقال (ع): (يا رجل، والله لقد سمعا كلامي، كما سمع أهلُ القليب كلامَ رسول الله)(الجمل، الشيخ المفيد: ص195).
فالروايتان واضحتا الدلالة على أنَّ الأمواتَ يسمعون كلام الاحياء، ولكنهم لا يستطيعون الإجابة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العلامات الحتمية لظهور الامام الحجة (عج)
السؤال: ما هي العلائم الحتمية لظهور الامام المهدي (عج)؟ وكم عددها؟ نرجو بيانها؟
الجواب: العَلامة في اللغة: شيء يُنصب في الفلوات، تهتدي به الضالّة. (لسان العرب، ابن منظور: ج12، ص419، العلامة والعلم). والمقصود من العلائم الحتمية: هي علامات يجب وقوعها قبل ظهور الامام المهدي (عج)، وهي خمسة كما يستفاد من بعض الروايات. (الكافي، الكليني: ج٨، ص٣١٠): عن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكية، واليماني).
١ـ خروج السفياني: وهو رجل من نسل خالد بن يزيد بن أبي سفيان، واسمه عثمان بن عنبسة، ويخرج من دمشق من مكان يسمّى بالوادي اليابس، وهو الذي يسبّب الخوف والرعب في قلوب النّاس، يهجم على كثير من المدن، ويقتل كلّ من كان اسمه محمّد، أو أحمد، أو عليّ، أو حسن، أو حسين، أو فاطمة... حقداً منه لأهل البيت (عليهم السلام). (عقد الدرر، الشيخ يوسف السلمي الشافعي: ص٧٢).
2- الخسف بالبيداء: البيداء موضع بين مكّة والمدينة، فإنّ جيش السفياني عندما يصل إلى البيداء تخسف بهم الأرض. قال الامام الباقر (ع) في حديث طويل: (وينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء أبيدي القوم، فيخسف بهم....) (بحار الأنوار، المجلسي: ج٥٢، ص٢٣٨.(
3 ـ خروج اليماني: قائد عسكري، يكون خروجه مقارباً مع خروج السفياني والخراساني، واسمه حسن أو حسين، من ذرية زيد بن علي (عليهما السلام)، رايته راية هدى. (مركز الأبحاث العقائدية بتصرف).
4 ـ النداء من السماء (الصيحة): روى الإمام الباقر(ع) لنا: أنّ هذا النداء يكون من قِبل جبرئيل، وذلك في الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك، في ليلة الجمعة، ينادي منادٍ من السماء باسم القائم (عج)، فيسمع مَن بالمشرق، ومَن بالمغرب. (معجم أحاديث الإمام المهدي (عج)، الكوراني: ج٣، ص٢٥٣).
5 ـ قتل النفس الزكيّة: غلام من آل محمّد(صلى الله عليه وآله) اسمه محمّد بن الحسن، معروف بالنفس الزكيّة، يُقتل في المسجد الحرام بين الركن والمقام، كما أشار إليه الإمام الباقر (ع). (بحار الأنوار، المجلسي: ج٥٢، ص192).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العِلْمُ بالمُغَيَّبَاتِ
السؤال: ما هو معنى العلمِ بالمغيبات؟ وهلْ يمكن للإنسانِ أنْ يَعلمَ بالمغَيَّبَاتِ ويُخبرُ عَنْهَا؟
الجواب: إنَّ العلمَ بالمغيباتِ لَهُ عدةُ معانٍ:-
منها: العلم المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من الخلق، وهو ما استأثر الله تعالى به لنفسه دون خلقه، قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ)(الانعام:59).
ومنها: العلم بالمغيبات بالمعنى الواسع، ويراد به: ما خفي عن الحواس، أو ما لا تصل إليه عقول عامة الناس، وهذا العلم مقدور للمعصومين كالانبياء والائمة الطاهرين(عليهم السلام) بإذنِ اللهِ تعالى، بل هو مقدور لغير المعصومين أيضاً، كسلمان المحمدي وكميل بن زياد وأمثالهم.
وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) كثيراً بالمغيبات، منها: قَوْلُهُ لِفَاطِمَةَ (عليها السلام): بِأَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لَحَاقاً بِهِ فَكَانَ كَذَلِكَ.(المناقب، ابن شهرآشوب: ج1، ص109).
وقد أخبرَ الامامُ عليٌّ (ع) كثيراً بالمغيَّبَاتِ أيضاً، منها قولُه (ع) لميثم التمار ذاتَ يوم: (إنّكَ تؤخَذُ بعْدي فَتُصلَبُ، وتُطعَنُ بحَرْبَةٍ،.. ، وامضِ حتى أُريكَ النخْلةَ التي تُصْلبُ على جِذْعِها، فأراهُ إِيَاها)(الإصابة، ابن حجر العسقلاني:ج6، ص250)، فَكَانَ كَذَلِكَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغيابُ عَنْ مجَالسِ أهْلِ البيتِ(عليهم السلام)
السؤال: لماذا التركيز على حضور مجالس اليوم العاشر من محرّم وشهادات الأئمّة (عليهم السلام)؟
الجواب: الحضور في المجالس والمآتم التي تُعقد في اليوم العاشر من محرّم، وأيّام شهادة الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) هو من مصاديق الآية الشريفة: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ) (الحج:32)، فإنّ الحضور في هذه المجالس يعدّ من تقوى القلوب، ويقرّب إلى الله تعالى.
وعلى أتباع أهل البيت(عليهم السلام) أن يُحيُوا هذه المجالس بحضورهم، كما وردت عن أهل البيت(عليهم السلام) الروايات والاحاديث في وصف شيعتهم: (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا) (كامل الزيارات، ابن قولويه: ص204، باب32، ح291)؛ إذ الحبّ القلبي لوحده لا يكفي، فلا بدّ من تجاوز هذا الحبّ القلبي إلى مرحلة الإظهار والعمل واقعاً، ومن أبرز مصاديق الإظهار: إحياء أمرهم(عليهم السلام) بعقد المجالس والمآتم والحضور فيها.
ونحب أن ننبّه إلى: أنّ الغياب الدائمي عن الحضور في هذه المجالس إذا كان تهاوناً من الشخص بحيث يكون من مصاديق الجفاء لأهل البيت(عليهم السلام)، أو أحرز الشخص أنّ الغياب سيؤدّي إلى إضعاف هذه المجالس، فهناك مِن العلماء مَنْ يُفتي بحرمةِ الغياب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفَرْقُ بينَ أُصولِ الدينِ وأُصولِ المذهبِ
السؤال: هل يوجد عند الشيعة فرقٌ بين أُصول الدين وأُصول المذهب؟
الجواب: أُصول الدين: هي الأُصول التي يكون بها المرء مسلماً، وهي: التوحيد، والنبوّة، والمعاد.
أمّا أُصول المذهب: فهي: الأُصول التي يكون بها المسلم مؤمناً، وهي خمسة: التوحيد، والنبوّة، والمعاد، والإمامة، والعدل.
وأُصول الدين يكون المعتقد بها محرّم المال والنفس والعرض، وتترتّب عليه جميع الأحكام التي تترتّب على المسلم من: الطهارة، وجواز المناكحة، والإرث، وما شابه، إلَّا أن يكون ناصبياً، فهذا له حكم آخر.
وأمّا أُصول المذهب فهي: التي يترتّب عليها -بحسب ما جاء من أدلّة- حسن عاقبة المرء من عدمها؛ لإناطة قبول الأعمال في الآخرة بولاية أهل البيت(عليهم السلام). (مركز الأبحاث العقائدية).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفَرْقُ بينَ الأُصولِ والعقيدةِ والشريعةِ
السؤال: ما هو معنى الأصول والعقيدة والشريعة؟ وما هو الفرق بينها؟
الجواب: إنّ المراد من الأُصول هو: أُصول الدين وهي: التوحيد، والنبوّة، والمعاد، والإمامة، والعدل، وهي بمثابة الأساس والأصل الذي يُشيّد البناء عليه، وإنّ الدين كلّه متوقّف على هذه الأُصول الخمسة، فلولاها لا يمكن الإقرار بحكم من الأحكام الشرعية.
وأمّا العقيدة، فهي في اللغة بمعنى: التصديق بالشيء، والجزم به دون شكّ أو ريبة؛ فهي بمعنى: الإيمان، يقال: اعتقدَ في كذا أي: آمن به، والإيمان بمعنى: التصديق، يقال: آمن بالشيء، أي: صدّق به تصديقاً لا ريب فيه، ولا شكّ معه.
والعقيدة في الشرع هي بمعنى: التصديق بالأُصول الخمسة عن دليل، وبكلّ ما ينبثق عن هذه الأُصول أو يرتبط بها كالاعتقاد بوحدانيّة الله تعالى، وصفاته، وعدله، ونبوّة الأنبياء، والإقرار بما جاء به النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وإمامة الأئمّة(عليهم السلام)، وعصمتهم، والمعاد، والجنّة، والنار.
والمراد من الشريعة: هي الأحكام العملية، والدين أعمّ منها فيشمل العقائد والأحكام. (مركز الأبحاث العقائدية).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفَرْقُ بَيْنَ التَّنْزِيلِ والتَّأوِيلِ
السؤال: ما هو الفرق بين التنزيل والتأويل في القرآن الكريم؟
الجواب: التنزيلُ: هو الآيات والسور النازلة على نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنفس الالفاظ وما لها من المعنى الظاهر، والتأويل: هو المعنى الخفي (الباطن) للآية غير المعنى الظاهر منها، وبهذا يكون لفظ التنزيل مرادف للفظ الظاهر، ولفظ التأويل مرادف للفظ الباطن، سأل الفضيلُ بنُ يسار الإمامَ الصَّادقَ(ع) عَن الحديث المعروف: (ما فِي القُرآنِ آيَةٌ إلّا ولَها ظَهْرٌ وبَطْنٌ)، ما يَعني بِقَولِهِ: لَها ظَهرٌ وبَطنٌ؟ فقالَ(ع): (ظَهرُهُ تَنْزِيلُهُ وبَطنُهُ تَأويلُهُ)(بحار الأنوار، المجلسي: ج92، ص94، ط مؤسسة الوفاء).
فحينما يقول الله سبحانه: (الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ)(طه:5)، فهذه الآية لها ظاهرٌ وهو الجسمية للهِ تبارك وتعالى عن هذا عُلُّواً كبيراً؛ لأنّ اللهَ سبحانه ليس جسماً محدوداً ليجلسَ على السرير، فينبغي تأويلها فيصير معناها: إنّ اللهَ سبحانه استوى على العرش يعني له السّلطة على المخلوقات وله مُلْكُ السماواتِ والأرضِ.
ولكن لا يستطيع أنْ يصلَ إلى باطنِ القرآنِ الكريمِ وإخراج معانيه الخفية إلَّا أهل البيت(عليهم السلام) لأنّهم هم الراسخون في العلم، قال تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللُه وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(آل عمران:7)، فَهُمْ (عليهم السلام) عندَهُم عِلمُ القرآن الكريم كلِّه بظاهره وباطنه، قال الإمامُ الباقرُ(ع): (مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ غَيْرُ الْأَوْصِيَاءِ)(الکافي، الكليني: ج1، ص567).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفَرْقُ بينَ الكَافِرِ والمُشْرِكِ
السؤال :ما هو الفرق بين الكافر والمشرك؟
الجواب: هناك اختلاف بين هذين المصطلحين:
فالشرك يكون في مقابل الإسلام في الغالب، يقول تعالى: (قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ)(الأنعام:14)، وقال تعالى (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:67)، إلى غير ذلك من الآيات .
والكفر يستعمل في مقابل الإيمان في الغالب، يقول تعالى: (وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) (البقرة:108)، وقال تعالى: (إنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ) (التوبة:23)، إلى غير ذلك من الآيات .
والتقابل بين الإسلام والشرك واضح، فإن المسلم شأنه التسليم والانقياد لأمر الله، بخلاف المشرك فهو خاضع للأوثان والأصنام وما شابه ذلك .
وأما تقابل الإيمان مع الكفر، فلأن الإيمان هو التصديق القلبي، وأما الكفر فهو ستر الحق، والكافر لأجل ستره يكون منكراً مقابل المؤمن المصدق،... (الإيمان والكفر، السبحاني: ص80-81).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفَرْقُ بَينَ فروعِ الدينِ وأُصولِ الدينِ
السؤال: ما هو الفرق بين فروع الدين وأُصول الدين؟
الجواب: يمكن إيجاد بعض الفروق بينهما:
أوّلاً: إنّ أُصول الدين لا يجوز فيها التقليد -على المشهور- بل على كلّ مكلّف أن يعرفها بأدلّتها، وهذا بخلاف فروع الدين التي يمكن فيها التقليد.
ثانياً: إنّ إنكار أيّ أصل من أُصول الدين يُخرجُ منكره عن الدين، أو يُخرجه عن المذهب، وهذا بخلاف فروع الدين، إلَّا إذا أدّى إنكار فرع من فروع الدين إلى إنكار أصل من أُصول الدين.
ثالثاً: إنّ أُصول الدين يمكن أن يُستدلّ عليها بالعقل فقط، والنقل يكون شاهداً مؤيّداً، وهذا بخلاف فروع الدين.
وأُصول الدين عند الإمامية خمسة: التوحيد، العدل، النبوّة، الإمامة، المعاد.
وفروع الدين عشرة: الصلاة، الصوم، الخمس، الزكاة، الحجّ، الجهاد، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، التولّي لأولياء الله، التبري من أعداء الله. (مركز الأبحاث العقائدية).
القُدْرَةُ الغَيْبيّةُ لأوْلياءِ اللهِ(عزَّوجلَّ)
السؤال: يدّعي البعض أنّ الاعتقاد بالقدرة الغيبية لغير اللهِ -كالأَنبياء والأَولياء- شِرْكٌ؟ فما هو الجواب عن هذه الشبهة؟
الجواب: إذا اعتقد شخصٌ في أنْ يطلبَ حاجة من شخص آخر بأنّه قادر على إنجاز حاجته، وهذه القدرة قد تكون ظاهرية ومادية، كأن نطلب من أحد أن يسقينا ماءً، فهذا الاعتقاد صحيح، وقد تكون القدرة قدرة غيبية، خارجة عن نطاق المجاري الطبيعية والقوانين المادية، كأن يعتقد أحدٌ بأنّ الإمام علياً (ع) قلع باب خيبر بالقدرة الغيبية، كما هو مشهور عند الفريقين، أو أنّ المسيح (ع) كان يقدر بقدرة غيبية على الخلق ومنح الشفاء لمن استعصى علاجه، قال الله (عزوجل): (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الموْتَى بِإِذْنِ اللِه) (آل عمران:49)، فهذا يكشف عن وجود سلطة خارقة للعادة قد أعطاها الله إلى الامام علي (ع) والنبي عيسى(ع) وبإذنه تعالى. (التوحيد والشرك في القرآن الكريم: جعفر سبحاني: ص116 بتصرف).
والاعتقاد بمثل هذه القدرة الغيبية إن كان ينطوي على الاعتقاد بأنّها مستندة إلى الإذن الإلهي وإلى القدرة المكتسبة منه سبحانه، فهي حينئذ لا تختلف عن القدرة المادية الظاهرية، بل هي كالقدرة المادية التي لا يستلزم الاعتقادُ بها شِرْكاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهُ (عزوجل) عادلٌ لا يجور
السؤال: أودّ أن أسأل عن الأطفال الذين يولدون مصابين بحالات إعاقة، هل من العدل أن يولد هكذا أطفال؟ كيف نستطيع أن نفسّر عدلَ اللهِ بهذه الحالة؟
الجواب: ينبغي أن يُعلم أنّ الأُمور التكوينية التي تجري في العالم هي على قسمين:
أحدهما: يكون السبب عمل الناس، وإليه يشير قوله سبحانه: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ)، (الروم:41). والعذاب النازل على الأُمم السابقة يندرج في هذا الإطار، وخروج الأولاد معاقين كثيراً ما يكون لأجل فعل آبائهم عند المواقعة، أو لشرب بعض الأدوية، أو غيرها من الأسباب.
ثانيهما: الحوادث التي تحدث في العالم قد قُدّرت ونظّمت ورتّبت طبق اقتضاء الحكمة البالغة، فقد روى الشيخ الصدوق في (التوحيد: ص397، ح13)، بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي: قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر(عليهما السلام): يا بن رسول الله! إنّا نرى من الأطفال من يسقط غير تام، ومنهم من يولد أعمى أو أخرس أو أصم، ومنهم من يعمّر حتّى يصير شيخاً، فكيف ذلك وما وجهه؟ فقال (ع): إنّ الله تبارك وتعالى أولى بما يدبّره من أمر خلقه منهم، وهو الخالق والمالك لهم، فمن منعه التعمير، فإنّما منعه ما ليس له، ومن عَمّرَهُ فإنّما أعطاه ما ليس له، وهو المتفضل ما أعطاه، وعادل فيما منع، ولا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون، قال جابر: فقلت: يا بن رسول الله! وكيف لا يسأل عمّا يفعل؟ قال (ع): (لأنّه لا يفعل إلاّ ما كان حكمةً وصواباً، وهو المتكبّر الجبّار...).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحُ المحفوظُ ولوحُ المحوِ والإثباتِ
السؤال: ما هو معنى اللوح المحفوظ ولوح المحو والاثبات؟ وما هو الفرق بينهما؟
الجواب: إنّ الآيات والأخبار تدل على أن الله (عزوجل) خلق لوحين، أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات، أحدهما: اللوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلاً، وهو مطابق لعلمه تعالى، والآخر؛ لوح المحو والإثبات، فيثبّت فيه شيئاً، ثم يمحوه لحِكَم ٍ كثيرةٍ لا تخفى على أولي الألباب، قال الله (عزوجل): (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ). (الرعد:39). (بحار الأنوار، المجلسي: ج4، ص130).
ولتوضيح هذا المعنى، نذكر هذا المثال فنقول: يُثَبَّتُ في اللوح، ويكتبُ أنّ عُمْرَ أحمد خمسون سنةً، ومعناه أنّ المقتضي لعمره إلى ذلك الحين موجود، إذا لم يقم بأعمال هي بذاتها موجبة لطول العمر، كصلة الرحم، أو موجبة لقصره كقطيعة الرحم، فإذا وَصَلَ أحمدُ رَحِمَه، ستمحى الخمسون، وتتحول إلى ستين عاماً، أما لو قطع رحمه، فستمحى الخمسون، وتتحول إلى أربعين سنة مثلاً.
قال أمير المؤمنين (ع) في احدى خطبه: (أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء، فقام اليه عبد الله بن الكواء اليشكري، فقال: يا أمير المؤمنين أَوَ تكونُ ذنوب تعجّل الفناء؟ فقال: نعم، ويلك، قطيعة الرحم). (شرح أصول الكافي، الملا صالح المازندراني: ج9، ص416).
فظهر الفرق بين المعنَيَيْن وهو: أنّه لا تغيير في اللوح المحفوظ، وإنْ كان ما سيقع مستقبلاً يثبّتُ فيه منذ الأول، فالذي فيه مطابق لعلم الله (تعالى)، وهو الذي سيحصل حتماً، أمّا ما يثبّت فيه في لوح المحو والإثبات، فهو الذي يحتمل التغيير والبداء، وقد ذكرنا معنى البداء في منشور سابق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسحُ على الرجلينِ بين القبول والرد
السؤال: إن الشيعة يمسحون على أرجلهم الى الكعبين في الوضوء، ولا يغسلونها، فما هو الدليل على ذلك؟ ولماذا المسح الى الكعبين؟
الجواب: إنّ الأحكام الشرعية توقيفية، بمعنى أن الشارع يحددها، فإذا ثبت حكم ما أنّ الشارع أثبته، فلا يحق لنا إعمال ما تشتهيه أنفسنا، ولماذا كذا؟ أو هل إذا كان كذا كان كذا، فالقرآن صريح في وجوب المسح على الرجلين، لأن قوله تعالى: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) (المائدة:6)، إذا قرئت بالنصب أو الجر فإنها معطوفة على (رؤوسكم)، أو على محل (رؤوسكم)، فيكون حكم الأرجُل المسح، فالشارع يوجب المسح، ومن شاء بعد المسح أن يغسل فانه ليس من الوضوء، بل أمر آخر خارج عن الوضوء.
ثم إنّ الكعبين لا تعنيان أسفل القدم كما يتوهمه البعض، بل المقصود من الكعبين هو قبة القدم: أي أعلاه، بمعنى: الارتفاع الظاهر فوق القدم، هذا هو تعريف الكعبين.
ولا يمكن الاعتماد على قول أهل اللغة هنا لتحديد مفهوم الكعبين، لاختلافهم في تعريفهما، والرجوع إلى روايات أهل البيت (عليهم السلام) في تحديد مفهوم الكعبين هو الأهم في هذا المقام.
ففي صحيحة أحمد بن محمد البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم...) (الوسائل، الحر العاملي: ج1، ص417، أبواب الوضوء، باب 24، ح4).
وهذا ظاهر أن المراد من الكعبين هو: العظم الناتيء من قبة القدم، وليس شيئاً آخر، وذلك بقرينة فعل الإمام (عليه السلام)، كما قال الراوي: إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، وقوله: ظاهر القدم بيان لمعنى الكعبين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المُعْجِزَةُ والكَرَامَةُ والسّحْرُ
السؤال: ما هو الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر؟
الجواب: أَن الْفَارِق بَين المعجزةِ والكرامةِ وَالسحرِ أُمُورٌ:
منها: إنّ المعجزة خارقة للعادة، وتظهر على يد الأنبياء(عليهم السلام)، ويؤتى بها بعد دعوى النبوة، فإن لكل نبي معجزة من الله تعالى له، والكرامة كذلك ويؤتى بها على أيدي الاولياء، والسحر ليس فيه خرق للعادة، بل هو أمر عادي يتعلمه الساحر بطرق معينة مخفية على أكثر الناس، قال الشيخ جعفر سبحاني: (إنّ المعجزة والكرامة وليدتان لعناية إلهية خاصة، وليس السّبب لهما ممّا تناله يد الدراسة والتعلّم، ولكنّ السّحر ونحوه نتاج التعليم والتعلّم، ولها مناهج تعليمية يجب ممارستها حتّى يصل طالبها إلى النتائج المطلوبة)(محاضرات في الالهيات: ص263).
ومنها: إنّ السَّاحر فاسقٌ وكافرٌ بنص القرآن الكريم، يقول سبحانه: (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيمانَ، وَما كَفَرَ سُلَيمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ)(البقرة:102).
أما صاحب المعجزة والكرامة فهو النبي أو الولي كما تقدم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعجزة والولاية التكوينية والفرق بينهما
السؤال: ما هو معنى المعجزة؟ وما هو معنى الولاية التكوينية؟ وما هو الفرق بينهما؟
الجواب: المعجزة هي خرق عادة يأتي بها النبي عند التحدي، وطلب القوم منه الآية والدليل على صدق دعواه، وعرفوها أيضاً بأنها: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة (المحصل، فخر الدين الرازي: ج1، ص489)، فالمعجزة هي الامر الخارق للطبيعة، كعصا موسى (ع) التي تنقلب ثعبانَ، وشفاء عيسى (ع) للأكمه، والأبرص، وإِحياؤه للموتى، ونظم القرآن وبلاغته، ونحو ذلك.
وقد يكون للمعجزة ناموسٌ يحكمها، ولكنه فيما وراء عالم الطبيعة، والعلم المادي لا يصل إلا إلى معرفة الأسباب الطبيعية والمادية، وحينئذ فالمعجزة تبقى معجزة مهما تطور العلم المادي المعاصر، سواء أكان ذلك في العلوم النظرية، أم التطبيقية، أو التكنلوجيا المتقدمة. (مركز الأبحاث العقائدية بتصرف).
أمّا الولاية التكوينية فهي: القدرة على التصرف في الكون بإذن الله (عزوجل) وإرادته، والتي يتمتع بها ولي من أولياء الله، ويستطيع التحكم بنواميس الطبيعة، كالانبياء والائمة (عليهم السلام)، وقد ثبتت هذه الولاية في حقّ غير أهل البيت (عليهم السلام) كما يذكر القرآن الكريم قصة آصف وزير سليمان: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي...). (النمل:40)، فمن بابٍ أولى تثبت الولاية التكوينية للائمة المعصومين (صلوات الله عليهم)، وقد ذكر أكثر المفسرين أن الآية 43 من سورة الرعد: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)، قد نزلت في حق الامام أمير المؤمنين (ع)، فهو (ع) عنده علم الكتاب كله، وليس بعضه كما كان لآصف.
ولا يقول أحدٌ: أن هذا شركٌ، لإنَّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لا يعملون ذلك – أعني التصرّف بالكون- على نحو الاستقلال، وإنما بإذن الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقْصُودُ مِنَ (الإِرَادَة) في آيةِ التَّطْهيرِ
السؤال: ما هو المقصود من (الإِرَادَة) في آيةِ التَّطْهيرِ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيرَاً) (الأَحزاب:33)؟ هل هي إِرادةٌ تشريعيةٌ أَم تكوينيةٌ؟ وما هوَ معنَاهُما؟ وما هوَ الأَثرُ المترتّب على ذلك؟
الجواب: الإرادةُ على نحوين إمّا تكوينيّة كقولِهِ تعالى: (إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(يس:82)، أي أنّ متعلقَ الإرادةِ مُرادٌ تكويناً، أو تشريعيّة كقوله تعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(البقرة:١٨٥)، أي أنّ متعلقَ الإرادةِ مُرادٌ تشريعاً.
إنّ المقصود من (الإرادة) في الآية لا يمكن أن يكون إلّا الإرادة التكوينيّة، لأنّ الإرادة التشريعيّة تعني ما يريده الله (عزوجل) أن يفعله المكلَّفُ، أو يريد أنْ لا يفعله المكلّف، أي الأحكام التي تعم جميع المكلّفين، فلو كانت الإرادة هنا تشريعيّة فسوف تكون مختصّة بأهل البيت، وهذا لا معنى له؛ لأنّ الله (عزوجل) لا يريد الطهارة الشرعية من أهل البيت فقط، بل من جميع المكلفين.
إنّ إرادة الله التكوينيّة لا تتخلّف، وبعبارة أُخرى: المراد لا يتخلّف عن الإرادة الإلهيّة، وعليه فالأثر المترتب على هذا أنّ المراد من إذهاب الرجس عن أهل البيت (عليهم السلام) هو طهارتهم مطلقاً، أي جعلهم الله (عزوجل) مطهرين تكويناً، وهذه هي العصمة بعينها، فتكون الآية دالّة على عصمتهم(عليهم السلام).(آية التطهير، السيد علي الميلاني: ص27).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النَّبيُّ الأكْرمُ (صلى الله عليه وآله) لا يَسْهُو
السؤال: ما هو الدليل على عدم إمكان وقوع السهو من النبي (صلى الله عليه وآله)؟
الجواب: إن الأنبياء الذين اختارهم الله سبحانه دعاة ومبلّغين لرسالاته، وسفراء إلى خلقه، وأمناء على وحيه، في الذروة العليا من الكمال والاخلاص والطهارة، وقد أختارهم سبحانه بعدما توفّرت الشروط اللازمة فيهم، فلا يشك أحد في كونهم أفضل المخلوقين وأنّهم الصفوة الطاهرة، ولا يصل إلى مرتبتهم في الفضل والكمال سائر البشر، فمن لوازم النبوة العصمة في الأنبياء، وخلوصهم من كل عيب أو نقص منفّر، والسهو أو النسيان عيب أو نقص عن الكمال، وهذا يجري بالإنسان العادي، أمّا الأنبياء فيستحيل عليهم السهو والنسيان لأنّه قدح بكمالهم وانتقاصاً لفضلهم.
والدليل على العصمة من السهو هو لو جاز على النبي أن يسهو في صلاته، لجاز عليه أن يسهو في بقيّة العبادات والأفعال، فيصنع ضوابطاً غير التي أقرّها الله سبحانه، حتى يسهو فينقلها عن حدودها الشرعية، وعند ذلك لا تُؤْمَن منه الزيادة أو النقصان في الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوَحْيُ والإلْهامُ والفَرْقُ بَيْنَهُمَا
السؤال: ما معنى الوحي؟ وما معنى الالهام؟ وما هو الفرق بينهما؟
الجواب: إنَّ الأوامرَ الإلهيةَ الشرعيةَ من الله سبحانه للإنسان تأتي عن طريق النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وإنما يكون هذا عن طريق الوحي، وللوحي أشكال متعددة، فتارة يكون بمشاهدة مَلَكٍ من الملائكة وإسماع حديثه، كما هو الحال بالنسبة لجبرئيل(ع) حيث كان الله يُوحي إلى الرسول(صلى الله عليه وآله) بواسطته، قال تعالى: (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ)(الشورى:51)، وهذا النوع من الوحي يكون خاصاً بالأنبياء والرسل، قال الشيخ جعفر سبحاني: (إنّ الوحي: إلهام خاص بالأنبياء والمرسلين، إذا كان لغاية التشريع، وتبيين الوظائف لمن بعثوا إليهم)(الملل والنحل: ج8، ص: 204).
وتارة أخرى يوحي الله إلى البشر بالإلهام وهو: (الالقاء في القلب)، وهو مشترك بين الانبياء وغيرهم، وبيّن هذا المعنى الإمام الهادي(ع) حينما سئل عن قوله تعالى: (إِلاَّ وَحْياً)، قال (ع) (وحي مشافهة، ووحي إلهام، وهو الذي يقع في القلب)(تفسير القمي، القمي: ج٢، ص٢٧٩).
إذن الالهام نوع من أنواع الوحي، فإذا أُلقي إلى الانسان سمي ذلك الإنسان مُحدَّثاً ومُلهماً، قال الشيخ جعفر السبحاني: (المحدَّث: مَن تُكلِّمه الملائكةُ بلا نبوّةٍ ولا رؤية صورة، أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم..، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره)(الملل والنحل: ج6، ص491).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إمامة أمير المؤمنين(ع) من القران الكريم
السؤال: يتمسّك مخالفو الشيعة بقوله تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا) (النساء: 83) بأنّ المراد: خصوص حالة الخوف -كما في صدر الآية- فهذا يكشف أنّ المراد من (أُولي الأَمر) هم: أُمراء السرايا والغزوات التي كان الرسول(صلى الله عليه وآله) ينصّبهم ويعيّنهم، وليس المراد بهم الأئمّة (عليهم السلام).
الجواب: للإجابة عمّا تمسّك به المخالفون في هذه الآية نقول:
أولاً: إنّ الأُمّة قد اختلفت في تعيين وليّ الأمر، وهذا ممّا لا شكّ فيه، ولكنّهم مهما اختلفوا فقد إتّفقوا وأجمعوا من حيث يريدون أو لا يريدون على ما يوجب كون الآية تنطبق على الإمام أمير المؤمنين(ع) دون من سبقه أو من لحقه ممّن تولّى أمر الخلافة، وذلك أنّ الأقوال في تفسير أُولي الأمر ستّة:
1- أُمراء السرايا والغزوات (تفسير ابن أبي حاتم: ج3، ص988، وهو ما أُشير إليه في السؤال.
2- العلماء، كما عن بعض المفسّرين. (تفسير الواحدي: ج1، ص271)
3- الأُمراء والولاة.
4- أهل الرأي من الصحابة.
5- هم: القوّام على الناس والآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر.
6- هم: عليّ وأبناءه الأئمّة المعصومون (عليهم السلام)، كما هو قول الشيعة (شواهد التنزيل: ج1، ص189). ولا شك أنّ عليّاً(ع) كان من أُمراء السرايا، كما كان من العلماء ومن القوّام على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان من الأُمراء والولاة، ومن أهل الرأي من الصحابة، فهو مرادٌ بالآية على أيّ تقدير بالإجماع كما بيّناه، فإذا ثبت ذلك له(ع) وكان هو وليّ الأمر، فهو الذي يعيّن من بعده بحكم ولايته، وإذا قلنا بأنّه(ع) ليس له ذلك فهو خلاف القول بالولاية.
وثانياً: إنّ المراد من (أولوا الأمر) في الآية أُمراء السرايا هو أوّلُ الكلام.
كيف وقد عممت الآية في أوّلها الأمر على حالتين: الأمن والخوف، لا خصوص حالة الخوف كما يدّعي هذا المستشكل، والآية نازلة لبيان حالة إشاعة الأراجيف بين المسلمين من قبل ضعاف النفوس، وأنّهم لو ردّوا الأمر إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وإلى أُولي الأمر لأعلموهم حقيقة الحال وواقع هذه الأراجيف.
فهذه الآية ناظرة إلى ما يمس أمن الدولة واستقرارها، واتّخاذ القرار في هذا الشأن أنسب بمنصب الإمام ورئيس الدولة لا بأُمراء السرايا الذين هم قادة عسكريون، مع أنّ الآية ساوت في الردّ إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأُولي الأمر، وأخبرت بأنّ ما يستنبطونه يحصل به العلم، ولا يصحّ ذلك إلا إذا ثبتت لهم العصمة كرسول الله(صلى الله عليه وآله)؛ لأنّ من قوله يحصل العلم لمحلّ العصمة، وأُمراء السرايا لا يصيبون دائماً؛ لأنّهم غير معصومين.
ومن هنا وردت الروايات الكثيرة عندنا بأنّ المراد من (أُولوا الأمر) في الآية هم: الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام) (تفسير القمّي، القمي: ص145).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إمَامَةُ عَليٍّ (ع) في آيَةِ الوِلَايَةِ
السؤال: كيف نثبت إمامة أمير المؤمنين (ع) من آية الولاية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُون) (المائدة:55)؟
الجواب: من المتفق عليه بين المسلمين إِنّ آية الولايةِ نَزَلَتْ في حقِّ أَميرِ المؤمنينَ (ع) عندما تَصَدَّقَ بخاتمهِ على الفقيرِ وهو راكعٌ في الصلاة في مسجد النّبي (صلى الله عليه وآله) (شواهد التنزيل، الحسكاني: ج1، ص219، ح227).
إنَّ آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة الدلالة على إِمامة أَمير المؤمنين (ع)، حيث إِن معنى (الولي) هو: (الأَوْلى بالتصرّفِ بأُمورِ المسلمين)، قال الشيخ جعفر السبحاني: (والمراد من الولي هو الأَوْلى بالتصرّف، وقد صرّح اللغويّون بأَنّ كلَّ مَنْ وَليَ أَمرَ أَحدٍ فهو وليُّهُ، فيكون المراد: إِنّ الَّذي يلي أُمورَكم فيكون أَوْلى بها منكم إِنّما هو الله (عزّوجلّ) ورسولُهُ، ومَنْ اجتمعت فيه هذه الصفات: الإِيمان وإِقامة الصلاة، وإِيتاء الزكاة في حال الركوع، ولم تجتمع يوم ذاك إِلَّا في الإِمام عليٍّ (ع) حسب النصوص المتضافرة) (رسائل ومقالات: ج1، ص566).
ومن الأَحاديث المؤيدة للاستدلال بالآية على كون معنى الولاية فيها هي الإِمَامَة والزَّعَامِة والإِمْرَة للإمامِ عليٍّ (ع):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتفَاعُ الحَيَاةِ البَرْزَخِيَّةِ بالحَيَاةِ الدّنْيَويَّةِ
السؤال: هل ينتفع الميتُ في القبرِ بعملِهِ الذي عمله في دار الدنيا؟
الجواب: عند انتقال الانسان من الحياة الدنيوية إلى حياته البرزخية في القبر يحتاج إلى شيء يؤنسه في قبره، لأنَّ القبرَ إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، قال الإمام الصادق (ع): (إنَّ لِلقَبْرِ كَلاماً فِي كُلِّ يَومٍ يَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الغُربَةِ، أَنْا بَيْتُ الوَحْشَةِ، أَنا بَيْتُ الدُّودِ، أَنَا القَبْرُ، أَنا رَوضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ أَو حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ)(بحار الأنوار، المجلسي: ج6، ص267)، فيتخلص الانسان من عذاب القبر، ويَجعل قبرَهُ روضة من رياض الجنة بانتفاعه من أعماله الصالحة التي عملها في دار الدنيا، كالصدقة وإصلاح طريق المسلمين، وأية مصلحة عامة عَمِلَهَا لخدمة الناس، قال الشيخ جعفر سبحاني: (إذا قام الإنسان بعمل مباشرةً في زمانه ومات، ولكن بقي العمل يستفيد منه الناس كصدقة جارية أجراها، أو إذا ترك علماً ينتفع به، فهو ينتفع بصدقاته وعلومه..)(الحياة البرزخية: ص63).
ويدلُّ على انتفاعِ الميتِ بعملِهِ قولُ رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): (إنّما يَلْحَقُ المُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمٌ عَلِمَهُ وَنَشَرَهُ، أو وَلَدٌ صَالِحٌ تَرَكَهُ، أَوْ مُصْحَفٌ وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدٌ بَنَاهُ، أَوْ بَيْتٌ لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْراً أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةٌ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ)(تفسير القرطبي: ج19، ص99).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتِفَاعُ المَيِّتِ في البَرْزَخِ
السؤال: ما هو الدليل القرآني على أنّ الميتَ في عالم البرزخ ينتفع بأعمال المؤمنين الأحياء من دعاء وغيره؟
الجواب: الظاهر من الكتاب الكريم هو أنّ الله سبحانه بعميم فضله وواسع جوده يوصل ثوابَ عملِ الغيرِ إلى الميِّت، فيما إذا قام الغيرُ بعملٍ صالحٍ نيابةً عن الميت من دعاء وغيره، وبَعَثَ ثوابَه إليه، فقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تؤكد على انتفاع الموتى بأعمال المؤمنين الأحياء، منها: (الَّذِينَ جاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِر لَنَا وَلإِخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإِيمانِ وَلاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلاً لِلَّذينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(الحشر:10)، فالآية تبيِّنُ أنّ الذين جاؤوا من بعد المؤمنين الذين سبقوهم يستغفرون لهم، سواءً كان السابقون أمواتاً أم أحياءً، فالآية تحكي عن انتفاع الموتى بدعاء واستغفار المؤمنين، وكذلك انتفاع الأحياء أيضاً.
السؤال: هل توجد روايات تدل على انتفاعِ الميِّتِ في البرزخ بأعمال المؤمنين الأحياء؟
الجواب: توجد الكثير من الروايات التي تدلّ على أنّ الميت ينتفع بعمل الغير من دعاء وصلاة وصوم وصدقات وغيرها، منها:
1-انتفاع الأموات بدعاء النبي الأَكرم (صلى الله عليه وآله): فقد تواتر عنه (صلى الله عليه وآله) في زيارته لأهل بقيع الغرقد ودعائه لهم، قال (صلى الله عليه وآله): (أُمرْتُ أنْ آتي أهلَ البقيعِ، فأُسلّم عليهم، وأدعو لهم)، (مسند أحمد: ج6، ص252).
2-انتفاع الميتِ بصلاةِ أخيه المؤمن عنه: قَالَ عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ الصادق (ع) يُصَلَّى عَنِ الْمَيِّتِ فَقَالَ: (نَعَمْ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَكُونُ فِي ضِيقٍ فَيُوَسِّعُ اللُه عَلَيْهِ ذَلِكَ الضِّيقَ، ثُمَّ يُؤْتَى فَيُقَالُ لَهُ: خُفِّفَ عَنْكَ هَذَا الضِّيقُ بِصَلَاةِ فُلَانٍ أَخِيكَ عَنْكَ)(وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج2، ص443).
3-انتفاع الميت بحجّ الغير والتصدق نيابةً عنه: قَالَ سَعدُ بنُ عبادة: يا رسولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله)، إنَّ أُمَّ سعد في حياتِها كَانَتْ تحجُّ مِنْ مَالي وتَتَصدَّقُ، وتَصِلُ الرَحمَ، وتُنفِقُ مِنْ مَالي، وإنَّها ماتَتْ، فهلْ يَنْفعُها أنْ أفعلَ ذلكَ عَنْهَا؟ قَالَ: (نَعَم). (صحيح مسلم: ج3، ص155).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَوَّلُ شَفِيعٍ نَبِيُّنَا الأكْرَمُ (صلى الله عليه وآله)
السؤال: هل يوجد أصلٌ للشفاعةِ في القرآن الكريم؟ وهل صحيح أنّ أولَ شفيعٍ يوم القيامة هو رسولنا الاكرم (صلى الله عليه وآله)؟
الجواب: أصل الشفاعة ثابت في كثير من الآيات القرآنية، منها: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)(الأنبياء:28)، وغيرها من الآيات الكريمة التي تؤكد شفاعة المقرَّبين عند الله تعالى، ومن يرتضيهم من شفعاء، وإنّ القول بالشفاعة لم يختص بالشيعة وحدهم، بل اشترك في ذلك جميع المسلمين.
ويعتقد الشيعة بشفاعة أهل البيت (عليهم السلام)، وخصوصاً شفاعة نبينا الاكرم(صلى الله عليه وآله)، فقد وردت الروايات عند الفريقين في أنّه (صلى الله عليه وآله) أولُ شفيعٍ يوم القيامةِ، منها:
1-عن ابنِ عباس قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أُمَّتِهِ رَسُولُ الِله (صلى الله عليه وآله).(المناقب، ابن شهرآشوب: ج2، ص164).
2-عن أنس بن مالك قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): (أنَا أوَّلُ شَفيعٍ يومَ القِيَامَةِ)(دلائل النبوة، البيهقي: ج5، ص479).
3-عَنْ عَبْدِ اللِه بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ)(البداية والنهاية، ابن كثير: ج20، ص188).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَئِمةُ أهْلِ البَيتِ(عليهم السلام) أفْضَلُ مِنَ الأنْبيَاءِ(عليهم السلام)
السؤال: هل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أفضل من الأنبياء(عليهم السلام) عدا نبينا (صلى الله عليه وآله)؟
الجواب: كلّ المسلمين يعتقدون بأفضليةِ نبيِّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله) على باقي الأنبياء، بل باقي الخلق أجمعين، وهذا متفق عليه بين المسلمين، ففي هذا الحديث يُبَيِّنُ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) فضله على جميع الخلق وأنّه سيد البشر، فيقول (صلى الله عليه وآله): (أَظْهَرَ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالَى الْأسْلامَ عَلى يَدى...، وَفَضَّلَني عَلى جَميعِ خَلْقِهِ وَجَعَلَني فِى الدُّنْيا سَيِّدَ وُلْدِ ادَمَ...)(الخصال، الصدوق: ج1، ص413).
وفي حديث آخر يبين (صلى الله عليه وآله) فضْلَهُ وفضْلَ أهلِ بيتِهِ(عليهم السلام) على جميع الأنبياء(عليهم السلام): عن الامام علي (ع) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما خلقَ اللهُ خَلقاً أفضلَ مني..)، قال علي (ع): فقلت: يا رسولَ الله: أفَأنتَ أفضلُ أم جبرئيل؟ فقال(صلى الله عليه وآله): (إنّ اللهَ تبارك وتعالى فضَّلَ أنبياءَه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلني على جميعِ النبيين والمرسلين، والفضلُ بعدى لكَ يا علي، وللأئمة من ولدك)(تفسير القمي: ج1، ص407).
وفي حدیث ثالث قال (صلى الله عليه وآله): (من أراد أن ینظر إلى آدم في علمه،..، وإلى إبراهیم في حلمه، وإلى موسی في هیبته، وإلى عیسی في عبادته، فلینظرْ إلى علي) (شواهد التنزیل، الحسکاني: ج1، ص100)، يقول عماد الدين الطبري: (فقد اجتمع فیه (ع) ما تفرّق في الأنبیاء الخمسة من أولي العزم، فیجب أن یکون أفضل منهم)(تحفة الابرار: ص139).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَأثِيرُ الحَيَاةِ الدّنيَويَّةِ عَلَى الحَيَاةِ البَرْزَخِيَّةِ
السؤال: كيف يكون تأثير الحياة الدنيوية للانسان على حياته البرزخية؟ وما هو الدليل على ذلك؟
الجواب: إنَّ روحَ الانسانِ بعد الموتِ تفارق جسمه المادي، وهذا رأي أغلب العلماء، ولكن تبقى الروح مسيطرة على جسمه الذي كان فيه، ولذلك يكون تأثيرها قوياً على مساره البرزخي في القبر، قال الشيخ جعفر السبحاني: (الميت يسمع كلام من يتكلم قرب قبره لا بجسمه، بل بروحه التي كانت لها ارتباط وإشعاع على الجسم، ولا يعني أنّها داخلة في قبره كما كانت في حياته ملازمة لجسمه ومعلّقة به، بل المراد أنّ لها ارتباطاً وإشعاعاً على الجسم الذي فارقه)(الحياة البرزخية: ص47).
ويدلُّ على ذلك ما روي عن رسولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (إِنَّ العَبْدَ إِذا وُضِعَ فِي قبرِهِ وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابُه إِنَّه ليَسْمَعُ قَرْعَ نعَالهمْ، يَأْتِيهِ ملكان فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كنْتَ تَقولُ فِي هَذَا الرّجُل مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله)، قَالَ: فَأَمَّا الُمؤمن فَيَقُولُ: اشْهَد أَنّهُ عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ: انْظُر إِلَى مَقْعَدِكَ منَ النَّارِ قد أبْدَلكَ اللهُ بِهِ مقْعَداً من الْجنَّة، وَأما الُمنَافِق وَالْكَافِر فَيُقَال لَهُ: مَا كنتَ تَقولُ فِي هَذَا الرّجُل فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي كنتُ أَقُولُ كَمَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ لَهُ لَا دَريتَ وَلَا تليتَ، وَيُضْرَبُ بمطْراقٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَة فَيَصِيحُ صَيْحَة يسْمعهَا من يَلِيهِ إِلَّا الثقلَيْن)(صحيح البخاري: ج2، ص90).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأسِيسُ المذهبِ الشيعي
السؤال: من أسّس المذهب الشيعي؟
الجواب: إنّ المؤسِّسَ الأول للتشيّع هو رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال الشيخ جعفر السبحاني في كتابه (رسائل ومقالات: ج1، ص8):
الشيعة لغة: هم الجماعة المتعاونون على أمر واحد في قضاياهم، يقال تشايعَ القومُ: إذا تعاونوا، وربّما يُطلق على مطلق التابع، قال تعالى: (وإنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لاِبْراهيمَ)(الصافات: 83).
وأمّا اصطلاحاً: فتطلق على من يشايع علياً والأئمة (عليهم السلام) من بعده، باعتبار أنّهم خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله)، نصبهم لهذا المقام بأمرٍ من الله سبحانه، فالتشيّع عبارة عن استمرار قيادة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته بمن نصَبه للناس إماماً وقائداً للأمّة.
وأمّا تاريخاً: فالشيعة هم ثلّة من المسلمين الأوائل، الذين عاصروا الرسول (صلى الله عليه وآله)، وآزروه وعاضدوه في مواقف عصيبة، فلمّـا مضى الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى، انطووا تحت قيادة عليّ (عليه السلام) وأولاده، باعتباره الممثل الشرعي للخلافة، والمنصوص عليه من قبل النبي (صلى الله عليه وآله).
وقد نصَّ شيخُ الازهر (محمد شلتوت) على جواز التعبد بمذهب الجعفرية، فقال: (إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، مذهب يجوز التعبدُ به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم، والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات). (وركبت السفينة، مروان خليفات: ج1، ص377).
فالنتيجة: إنّ التشيّع هو نفس الاِسلام الذي جاء به نبيّنا الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فالإسلام والتشيّع حقيقة واحدة، حدَثَا وتكَوَّنا في آنٍ واحدٍ. (رسائل ومقالات، الشيخ جعفر السبحاني: ج1، ص241).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَطَوُّرُ العَزَاءِ الحُسَيْنِي
السؤال: كيف كانت طريقة العزاء على الإمام الحسين (ع) منذ زمن الأئمّة(عليهم السلام)، من الإمام زين العابدين(ع) وإلى زماننا هذا؟ أي: كيف تطوّر العزاء الحسيني؟
الجواب: إنّ تاريخ إقامة العزاء الحسيني بصورته البسيطة من البُكاء والحِداد والنوح، قد يرجع -طبقاً لجملة من الروايات- إلى زمن آدم (عليه السلام) (بحار الأنوار، المجلسي: ج44، ص245، ح44)، وأمّا في العصر الإسلامي فأوّل من أقام العزاء على الإمام الحسين(عليه السلام) وبكى عليه جدُّه رسولُ الله(صلى الله عليه وآله)، ثمّ بعد استشهاده(ع) ورحيل الجيش الأموي من كربلاء، اجتمع جمع من الناس وبكوا، وأقاموا مأتماً على الشهداء قبل دفنهم، حتّى إنّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) حينما قدم إلى كربلاء في ذلك الحين رآهم على تلك الحالة، ومن بعده استمرّت المراسم بين حين وآخر بأساليب متعدّدة من إقامة المجالس، وإنشاد الشعر والمراثي، إلى أن وصل دور الحكومات الشيعية -مثل الدولة الحمدانية والبويهية والفاطمية، وعلى الأخصّ الصفوية- فتحرّكت المواكب، والهيئات الشيعية، وبتأييد صريح، ودعم واضح من ملوكها وعلمائها لهذه المآتم والمجالس والمواكب.
وأمّا نوعية العزاء وتطوّره فهو في الواقع قد أخذ سبيله في التغيير والتطوّر في كلّ زمان ومكان، حسب ما يراه الشيعة طريقاً ووسيلةً لإحياء ذكر الإمام الحسين(ع)، وفقاً لما يراه علماؤهم من جوازه، وعدم منافاته للشرع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَعْرِيفُ العِبَادةِ وَتَحْدِيدُ مَعْنَاهَا
السؤال: ما هو تعريف العبادة؟ وهل يمكن تحديد معناها؟
الجواب: إنّ العبادة تتقوم بعنصرين، ولا يُغني أَحدهما عن الآخر: -
الأَوّل: الاعتقادُ الخاصُّ في حقِّ المعبود، أَعني: الاعتقاد بأنّه ربٌّ، أَو بيده مصير العابد عاجلاً وآجلاً، في تمام شؤون الحياة أَو بعضها، فلو كان الخضوع والتذلّل مجرّداً عن هذا الاعتقاد لا يُعدُّ العمل عبادة، نعم يمكن أَن يكون حراماً موجباً للعقاب، لا لأنّه عبادة، بل لكونه عملاً محرّماً كسائر المحرمات، كما هو الحال في السجود لغير الله في الشريعة الإِسلامية، إِذ أَنّه يحرم حتّى وإِن كان عارياً عن ذلك الاعتقاد؛ للنَّهي عنه لغيره (عزوجل).
الثاني: العمل الحاكي عن الخضوع، سواء أَكان باللَّفظ والبيان أَم بسائر الجوارح، فإِذا كان الخضوع نابعاً عن الاعتقاد الخاصِّ في حقِّ المخضوع له يوصف العمل بالعبادة. (حوارات عقائدية معاصرة، جعفر سبحاني: ج1، ص38).
ويؤيد ذلك أنّ عيسى (ع) يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله (عزوجل)، فيقول: (يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ) المائدة:72.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تهدمت والله أركان الهدى وانفصمت العروة الوثقى
السؤال: قال الله تعالى: ((فَمَن يَكفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤمِن بِاللّهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) البقرة:256، وواضح أن العروة الوثقى لا انفصام لها كما هو مفاد الآية الكريمة، ولكننا نسمع من يقول انه في ليلة استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) أن جبرئيل (ع) نادى بين السماء والأرض: ((تهدمت والله أركان الهدى وانفصمت العروة الوثقى))، فكيف نفهم هذا التعارض؟!
الجواب: لا انفصام للعروة الوثقى حال التمسك بها، وأمير المؤمنين (عليه السلام) هو من مصاديقها، وحينما كان حيّـاً لم يكن لها انفصام، ولما قُتل (صلوات الله عليه) انفصمت بلحاظ موته، ولكن ولايته وولاية ابنائه الطاهرين(عليهم السلام) ما زالت ولم تزل، فلا يكون لها انفصام ما داموا أحياء أو مادام فيهم من هو حيّ، فصيحة جبرئيل (عليه السلام)، وندائه بانفصام العروة الوثقى ناظرة إلى واقعة قتله (صلوات الله عليه)، لا إلى حقيقة ذاته، ولا ولايته، فهذه لا انفصام لها، هذا بحسب الظاهر، أما بحسب الباطن فإن الأئمة (عليهم السلام) شهداء، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، فالمُستمسِك بهم يكون مستمسكاً بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ويدل على ذلك حديث الثقلين، وأنهم (عليهم السلام) هم الحبل الممدود، والثقل الأصغر الذي لا يفترق مع الثقل الأكبر وهو كتاب الله (عزوجل).
وقد استدلّ المفسرون الشيعة رضوان الله عليهم على كونهم (عليهم السلام) هم العروة الوثقى، وعلى هذا المعنى تدلّ الروايات من الفريقين، منها ما روي عن أنس بن مالك، قال: صلّى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الفجر، ثم أقبل علينا، فقال: (معاشر أصحابي... ومن استمسك بأوصيائي من بعدي فقد استمسك بالعروة الوثقى...) الخ. (كفاية الأثر، الخزاز القمّي:73)، فالتمسّك والمعرفة لحجّة الزمان (عليه السلام) هو التمسّك بالعروة الوثقى، وقتله يعبر عنه بانفصام تلك العروة، وليس هو الانعدام.
السؤال: ما المراد من نداء جبرئيل (ع): (تهدمت والله أركان الهدى)؟
الجواب: لا شك ان الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الهادي للأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذه الهداية ملازمة للإمامة قال تعالى: ((وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)) الانبياء:73، فاذا قُتل (عليه السلام) انهدمت الهداية بقتله، وليس معنى ذلك زوالها عن العالم، فهي باقية ما دام الامام المعصوم باق وهو بعد امير المؤمنين (عليه السلام) ابنه الامام الحسن (ع)، وهكذا إلى امامنا المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فانهدامها هي بلحاظ رحيل المعصوم الذي هو امام في ذلك الزمان.
المصدر: (مركز الأبحاث العقائدية بتصرف).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جواز السجود على التربة الحسينية
السؤال: لماذا يسجد الشيعة على التربة الحسينيَّة؟
الجواب: أنَّ المسلمين وإنْ اختلفوا فيما يصحُّ السجود عليه في الصلاة، إلا أنهم اتفقوا على جواز ومشروعية السجود على الأرض، ويوجد الكثير من روايات أهل السنَّة التي تدل على مشروعية السجود على الأرض منها: ما ورد في (صحيح البخاري: كتاب التيمّم، باب1، ج2، ص86) بسنده إلى جابر بن عبد الله: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: .... وجعُلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). ومعنى الرواية: أنّ مطلق وجه الأرض جُعل موضعاً للسجود والطهور.
أما لماذا يسجد الشيعة على تربة الحسين (ع) دون سواها؟ فجوابه: أن الشيعة وعلماؤهم لا يرون لزوم السجود على التربة الحسينية، وإنما يستحبُّ ذلك تيُّمناً وتبرُّكاً بسبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإلا فهم يسجدون على كلِّ تراب أو حجر أو طينٍ طاهر، فذكر صاحب الحدائق أن أفضل أفراد الأرض في السجود هو التربة الحسينية على مشرِّفها أفضل الصلاة والسلام. (الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني: ج7، ص260).
والمستند المعتمد عند الشيعة لدعوى استحباب السجود على تربة الحسين (ع) هو ما ورد من روايات عن أهل البيت (ع):
منها: رواية محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (عج) أنه كتب إليه يسأله عن السجدة على لوحٍ من طين القبر -يعني قبر الحسين (ع)- هل فيه فضل؟ فأجاب (عج): يجوز ذلك وفيه الفضل. (الوسائل، الحر العاملي: باب16، ج5، ص366، ح2).
ومنها: ما عن معاوية بن عمار قال: كان لأبي عبد الله (ع) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله (ع)، فكان إذا حضرته الصلاة صبَّه على سجَّادته وسجد عليه. (الوسائل، الحر العاملي: باب16، ج5، ص366، ح3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جَوازُ اللَّطمِ عَلَى الإمَامِ الحُسَينِ (ع)
السؤال: ما هو الدليل الشرعي على جواز اللطم أثناء المأتم الحسيني؟ وفي أيّة فترة من التاريخ الإسلامي كانت بداية نشوئه؟
الجواب:
أوّلاً: من الأدلّة على جواز اللطم في المجالس الحسينية هو الحديث الوارد عن الإمام الصادق(ع): (إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ(عليهما السلام)؛ فإنّه فيه مأجور( (جامع أحاديث الشيعة، السيد حسين البروجردي: ج12، ص557)، واللطم نوع من الجزع، ولا يخفى عليكم، أنّ النهي عن الجزع نهي تشريعي، وليس نهياً تكوينياً، وبالتالي فهو قابل للتخصيص، وقد ورد تخصيص من الشارع المقدّس وهو (جواز البكاء والجزع على الحسين (ع)) لعموم النهي عن الجزع وهو (أن البكاء والجزع مكروه للعبد).
وثانياً: لأصالة الإباحة؛ فطالما لم يكن في اللطم ضرر، فمقتضى أصل الإباحة هو عدم الإشكال في اللطم ما لم يرد نهي.
وثالثاً: اللطم على مصائب أهل البيت(عليهم السلام) يدخل في باب تعظيم الشعائر، وشدّ الناس إلى قضية الإمام الحسين(ع) التي هي قضية الإسلام.
وأمّا بداية نشوئه، فالظاهر أنّه عريق، كما يبدو من حوادث سنة 350 هـ التي يذكرها ابن كثير في البداية والنهاية يقول: (..اُغلِقَتْ الأسواق ببغداد يوم عاشوراء، ويُظهرُ الناسُ الحزنَ والبكاءَ، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتذ؛ موافقة للحسين لأنّه قُتل عطشاناً، ثمّ تخرج النساء حاسرات عن وجوههنّ يَنُحْنَ ويَلْطمْنَ وجوههنّ وصدورهنّ، حافيات في الأسواق..). (البداية والنهاية، ابن كثير: ج8، ص 202).
السؤال: هل توجد روايات تكشف عن رضا المعصوم من ممارسة اللطم حزناً على الإمام الحسين(ع)؟
الجواب: ان اللطم على الامام الحسين (ع) هو تعبير عن الحزن، ولا إشكال فيه، لأنّ الروايات الدالّة على اللطم وبحضور المعصوم (ع) ورضاه على ذلك كثيرةٌ، نذكر بعضاً منها:
1-عن أبي عبد الله الصادق(ع): (وقَد شَقَقنَ الجُيوبَ، ولَطَمنَ الخُدودَ -الفاطِمِيّاتُ- عَلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ (ع)، وعَلى مِثلِهِ تُلطَمُ الخُدودُ، وتُشَقُّ الجُيوبُ) (الأمالي، الطوسي: ص115، ح178).
2-حين رجع السبايا من الشام إلى كربلاء، ووجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري، (تلاقوا بالبكاء، والحزن، واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد)(اللهوف في قتلى الطفوف، السيد ابن طاووس: 144)، فكان الإمام السجّاد (ع) معهم يرى ويسمع ولم ينهاهم عن فعل هذه الأفعال.
3-حين أنشد دعبل الخزاعي تائيته المشهورة بحضرة الإمام الرضا(ع)، قال فيها:
أفاطم لو خِلتِ الحسين مجدّلاً ** وقد مات عطشاناً بشطّ فراتِ
إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده ** وأجريت دمع العين في الوجناتِ (كشف الغمّة، الاربلي: ج3، ص112) لم يعترض الإمام عليه، ولم يقل: إنّ أُمَّنا فاطمة(عليها السلام) لا تفعل ذلك لأنّه حرام، أو مكروه، بل هو قد بكى وأعطى الشاعر جائزة، وهذا إقرار من الامام (ع) بالجواز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَعْنَى (حبُّ عَليٍّ(ع) حَسَنَةٌ)
السؤال: ما معنى هذا الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): (حبُّ عَليٍّ حَسَنَةٌ لا تَضُرُّ مَعَهَا سَيْئَةٌ)(البحار، المجلسي: ج٩، ص٤٠١)؟
الجواب: هناك عدّة معاني وتفسيرات ذُكِرَتْ لهذا الحديث:
منها: ان حبَّ عليٍّ هو المحبة الحقيقية لا الصورية الظاهرية، بحيث تؤدي هذه المحبة إلى ترك المحرمات وفعل الواجبات، قال الشهيد الثاني: (حمله على المحبّة الحقيقيّة الكاملة، وهي توجب عدم ملابسة شيء من الذنوب البتة..)(رسالة في العدالة: ص٢٢٧).
ومنها: أنّ حبَّ عليٍّ(ع) نتيجته عدم دخول النار حتى وإنْ فعل الموبقات لأنَّها لا تضرّه آنذاك، قال المحقق البحراني: (قال الشيخ المفيد(قد) في إرشاده: إنّ الله تعالى آلى على نفسه أن لا يطعم النار لحم رجل أحبّ علياً (ع)، وإن ارتكب الذنوب الموبقات، وأراد الله أن يعذّبه عليها، كان ذلك في البرزخ، حتّى إذا ورد القيامة وردها وهو سالم من عذاب الله، فصارت ذنوبه لا تضرّه ضرراً يدخله النار)(الأربعين: ص١٠٥).
ومنها: ما نقل عن الشيخ الماحوزيّ: (إنّ محبّة علي (ع) توجب الإيمان الخاصّ، والتشيّع بقول مطلق، وحينئذ لا يضرّ معه سيئة، لأنّ العصيان في غير الأُصول الخمسة لا يوجب الخلود في النار..)(الأربعين، المحقق البحراني: ص105).
ومنها: أنّ حبَّ عليٍّ يمنع من الخلود في النار لأنَّ حبه(ع) عقيدة صحيحة، قال ابن جبر: (فحبّه(ع) يصحّح العقيدة، وصحّة العقيدة تمنع من الخلود، فلا تضرّ سيئته كلّ الضرر((نهج الإيمان: ص٤٤٩).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديث الثقلين دليل على الإمامة
السؤال: ما هي الأدلة على استمرار الإمامة من النبي إبراهيم(ع) الى أئمة اهل البيت (عليهم السلام) من الروايات؟
الجواب: هناك روايات واحاديث متعدّدة تشير إلى أنّ ظاهرة الإمامة مستمرّة غير منقطعة، منها حديث الثقلين، وقد روي هذا الحديث بروايات متعددة، ويكاد يكون متواتراً، بل هو متواترٌ فعلاً إذا لوحظ مجموع رواته من الشيعة والسُنّة وفي مختلف الطبقات، واختلاف بعض الرواة في زيادة النقل ونقيصته تقتضيه طبيعة تعدّد الواقعة التي صدر فيها، ونَقَلَ بعضُهم له بالمعنى، وموضع الالتقاء بين الرواة متواتر قطعاً، فهو متواتر لفظاً ومعنىً.
وكفى بالحديث أن يكون موضع اعتماد الباحثين، ويكون من رواته كلّ من: صحيح مسلم، وخصائص النسائي، وسنن أبي داود، وابن ماجة، وغيرهم، وأن تعنى بروايته كتب المفسّرين أمثال: الرازي، والثعلبي، وابن كثير، وغيرهم.. بالإضافة إلى الكثير من كتب التاريخ، واللغة، والسير، والتراجم، وما أظنّ أنّ حديثاً يملك من الشهرة ما يملكه هذا الحديث.
وفي (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار) ذكر السيد الميلاني أنّ هذا الحديث: (رواه عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أكثر من ثلاثين صحابيّاً، وما لا يقلّ عن ثلاثمائة عالم من كبار علماء أهل السُنّة، في مختلف العلوم والفنون، في جميع الأعصار والقرون، بألفاظ مختلفة وأسانيد متعدّدة، وفيهم أرباب الصحاح والمسانيد وأئمّة الحديث والتفسير والتاريخ، فهو حديث صحيح متواتر بين المسلمين(. (نفحات الأزهار، السيّد الميلاني: ج1، ص185، كلمة المؤلّف).
ولسان الحديث كما في رواية زيد بن أرقم: (إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما). (سنن الترمذي، الترمذي: ج5، ص328، ح 3876).
ومقتضى عدم افتراق العترة عن القرآن الكريم، هو بقاء العترة إلى جنب القرآن إلى يوم القيامة، وعدم خلوّ زمان من الأزمنة منهم؛ لأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.
يقول ابن حجر: ((وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم، للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض) (الصواعق المحرقة، ابن حجر العسقلاني: ج2، ص،442).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حَقِيقَةُ الشَّفَاعَةِ
السؤال: ما هي حَقِيقَةُ الشَّفَاعَةِ؟
الجواب: إنّ الشفاعة من المفاهيم التي ذكرها الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة، قال الله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ)(الضحى:5)، وقد أطبقت جميع المذاهب والفرق الإسلامية على التسليم بها باعتبارها أصلًا من الأُصول الإسلامية المسلّمة والقطعية.
إنّ حقيقة الشفاعة هي: إنّ أولياء الله الصالحين لمنزلتهم وقربهم من الله تعالى يطلبون منه سبحانه وتعالى -وتحت شروط خاصة- التجاوز عن ذنوب المذنبين وتقصيرهم.(الوهابية والمباني الفكرية، جعفر سبحاني: ص351).
قال الغزالي في صفة الشفاعة: (إعلم أنه إذا حق دخول النار على طوائف من المؤمنين، فإن الله تعالى بفضله يقبل فيهم شفاعة الأنبياء والصديقين، بل شفاعة العلماء والصالحين، وكل من له عند الله جاه وحسن معاملة، فإنّ له شفاعة في أهله، وقرابته، وأصدقائه، ومعارفه). (إحياء علوم الدين، الغزالي: ج16، ص54).
قال محمد بن عبد الوهاب: (وثبتت الشفاعة لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة ولسائر الأنبياء والملائكة والأولياء، ونسألها من المالك لها، والآذن فيها بأن نقول: اللّهمَّ شفِّعْ نبينا محمداً (صلى الله عليه وآله) فينا يوم القيامة أو اللّهمَّ شَفِّعْ فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك).(الهدية السنية، محمد عبد الوهاب: الرسالة الثانية، ص 42).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حَقِيقَةُ الصُورِ والنفْخُ فيهِ
السؤال : قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ((الزمر: 68)، ماهي حقيقة الصور، ومن هو الملك الذي ينفخ فيه؟
الجواب: الصور: هو القرن الذي ينفخ فيه اسرافيل (عليه السلام) عند بعث الموتى إلى المحشر، عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام): (للصور رأس واحد وطرفان، وبين طرف رأس كل منهما إلى الآخر مثل ما بين السماء إلى الأرض... قال: فينفخ اسرافيل (ع) فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض، فلا يبقى في السماوات ذو روح إلا صعق ومات، إلّا إسرافيل، قال: فيقول الله لإسرافيل: يا إسرافيل مُت، فيموت إسرافيل...) (تفسير نور الثقلين: الشيخ عبد علي العروسي: ج4، ص515).
وورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (الصور قرن من نور فيه أثقاب على عدد أرواح العباد). (تفسير الأمثل: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج15، ص153).
إنّ أكثر المفسرين اعتبروا (النفخ في الصور) كناية لطيفة عن كيفية نهاية العالم وبدء البعث، ولكن عدد قليل منهم قالوا: إن (صور) هي جمع (صورة)، وطبقاً لهذا القول، فقد اعتبروا النفخ في الصور يعني: النفخ في الوجه، مثل نفخ الروح في بدن الإنسان، ووفق هذا التفسير ينفخ مرة واحدة في وجوه بني آدم، فيموتون جميعاً، وينفخ مرة أخرى فيبعثون جميعاً.
ولكن هذا التفسير لا يتفق مع ما ورد في الروايات، وعليه ينبغي الأخذ بما ذكرناه أولاً، وهو ما ورد في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحديث الامام السجاد (ع).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حَقِيقَةُ العِصْمَةِ ومَنشَأُهَا
السؤال: ما هي حقيقةُ العصمةِ؟ وما هو منشأُها وسبَبُها؟
الجواب: عرف المتكلمون العصمة على الاطلاق بأنّها: (قوة تمنع الإنسان عن اقتراف المعاصي)(الميزان، الطباطبائي: ج2، ص142، طبعة طهران)، ومنشأ العصمة يرجع إلى أمور ثلاثة متى ما تحقق أحدُها أو جميعُها تحققتْ العصمةُ:
يقول الشيخ جعفر سبحاني: (فالمعصوم ليس خصوص من لا يرتكب المعاصي ويقترفها، بل هو من لا يحوم حولها بفكره..)(عصمة الأنبياء: ص22).
2- العلم القطعي اليقيني للمعصوم بعواقب المعاصي والآثام علماً قطعياً؛ بحيث يبلغ علمُهُ درجةً قطعيةً يرى من خلالها الاثار المترتبة على المعاصي فيتجنبها.
3- الاستشعار بعظمة الرب وكماله وجماله: إنّ هذا الاستشعار من العبد بعظمة الخالق وحبّه له وتفانيه في معرفته، يمنعه من فعل المعاصي، وهذا النحو من الاستشعار لا يحصل إلّا للكاملين في المعرفة الإلهية.(عصمة الأنبياء، جعفر سبحاني: ص22)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا عَلِيُّ، ما عَرَفَ اللهَ إلّا أنَا وأنتَ، وما عَرَفَني إلَّا اللهُ وأنتَ، وما عَرَفَكَ إلَّا اللهُ وأنَا)(مختصر بصائر الدّرجات، الشيخ عز الدين الحلي: ص336).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقيقة عالم البرزخ
السؤال: ما هي حقيقة عالم البرزخ؟
الجواب: عالم البرزخ في الاصطلاح هو ما بين عاَلَميْ الدنيا والآخرة، وهو العالم الفاصل بين موت الإنسان وبعثته يوم القيامة، وقسم من الناس ينعمون فيه، وقسم آخر يعذبون، ولابد للإنسان من هذا الفاصل؛ لأنّ الإنسان بموته لا يبعث مباشرة، بل البعث في يوم خاص يكون بعد نهاية العالم، ولكن هذا الفاصل قد يصير طويلاً بالنسبة إلى مجموعة من الناس، وقصيراً بالنسبة إلى مجموعة أخرى، على حسب أعمالهم.
إنّ البرزخَ عالمٌ حقيقيٌ، أَلْطَفُ من عالم الدنيا، وبالتالي فالتنعم والتعذب فيه حقيقي، ولكنه مناسب لطبيعة ذلك العالم، فالتعذيب لا يكون بأساليب مادية، ولكن بأساليب برزخية، حيث أن الروح تكتسي بعد الموت قالباً مثالياً لطيفاً، وحينئذ لا تعمل أدوات التعذيب المادية في الجسد المثالي، فلابد أن نتصور وجود اساليب وأدوات برزخية، أو مثالية، لغرض تنفيذ أمر الله تعالى بتعذيب الكافرين والمجرمين.
وقد ثبت عالم البرزخ في الكتاب والسنة، ففي الكتاب قوله تعالى: (وَمِن وَرَائِهِم بَرزَخٌ إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ). (المؤمنون:100).
وورد في (تفسير القمي: ج2، ص94) من تفسير الآية: (قال البرزخ هو أمر بين أمرين، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة، وهو رد على من أنكر عذاب القبر، والثواب والعقاب قبل يوم القيامة).
وأمّا السنّة، فقال الامام الصادق (ع): (والله ما أخاف عليكم إلّا البرزخ، فأمّا إذا صار الأمر إلينا، فنحن أولى بكم). (بحار الأنوار، المجلسي: ج6، ص214، ح2).
وقال علي بن الحسين (ع): (إنّ القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران). (البحار، المجلسي: ج6، ص214).
فالنتيجة: إنّ عالم البرزخ عالم حقيقي ينبغي الاعتقاد بوجوده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخُولُ الجنَّةِ بالبُكاءِ عَلَى الحُسينِ (ع)
السؤال: كيف أنّ البكاء والتباكي على الحسين (ع) الذي ورد في بعض الروايات يوجبُ دخولَ الجنة؟
الجواب: أما ثبوت هذه المكانة للبكاء على الحسين (ع ): فلأن البكاء يعبّر عن تعلقات الإنسان، وكوامن نفسه تعبيراً عميقاً، لأنه إنما يحدث في أثر تنامي مشاعر الحزن وتهيّجها، لتؤدي إلى انفعال نفسي يهزّ الإنسان، ومن ثمّ فإنّ البكاء على الإمام (ع) يمثل الولاء الصادق للنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار، وللمبادئ التي نادى بها، ودعا إليها، واستشهد لأجلها، ومن المشهود أن حركته (ع) قد هزَّت التاريخ، وزلزلت عروش الطغاة، ورسخت القيم الإسلامية في قلوب المؤمنين، ولم يحدث ذلك إلّا في أثر التمسك والتعلق بذكره، نتيجة حث أئمة أهل البيت (ع) بمثل هذه الأحاديث.
وأما التباكي فليس المراد به إظهار البكاء أمام الآخرين، بل هو بمعنى تكلّف الإنسان البكاء على ما يراه حقيقاً به، ولكنه يواجه لحظة جفاف في قلبه ومشاعره، فيتكلف البكاء عسى أن يستجيب قلبه، وتتدفق مشاعره لنداء عقله، وبهذا المعنى أيضاً ورد الوعد بالجنة لمن بكى أو تباكى عند ذكر الله سبحانه وتعالى، كما نبه عليه غير واحد منهم العلامة المُقَرَّم (قدس سره) في مقتل الحسين(ع).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دَرَجَاتُ الإيمَانِ
السؤال: إن المتداول بين الناس أنّ بعضهم إيمانه أقوى من البعض الاخر، فهل توجد درجات للإيمان؟ وما هي؟
الجواب: ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) إنّ للإيمان درجات ومنازل، فيختلف الناس فيما بينهم من هذه الجهة، نذكر روايتين في هذا المجال:
الأولى: في (الكافي، الكليني: ج3، ص115، ح2): عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَرَاطِيسِيِّ ، قَالَ :
قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع):) يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ ، إِنَّ الْإِيمَانَ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ، بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ يُصْعَدُ مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاةٍ ، فَلَا يَقُولَنَّ صَاحِبُ الِاثْنَيْنِ لِصَاحِبِ الْوَاحِدِ لَسْتَ عَلى شَيْءٍ حَتّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْعَاشِرِة، فَلَا تُسْقِطْ مَنْ هُوَ دُونَكَ؛ فَيُسْقِطَكَ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ، وَإِذَا رَأَيْتَ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ بِدَرَجَةٍ، فَارْفَعْهُ إِلَيْكَ بِرِفْقٍ، وَلَا تَحْمِلَنَّ عَلَيْهِ مَا لَا يُطِيقُ؛ فَتَكْسِرَهُ؛ فَإِنَّ مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ).
الثانية: في (الكافي، الكليني: ج3، ص116، ح2): عَنْ سَدِيرٍ، قَالَ :قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (ع): (إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَنَازِلَ: مِنْهُمْ عَلى وَاحِدَةٍ ، وَمِنْهُمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ عَلى ثَلَاثٍ، وَمِنْهُمْ عَلى أَرْبَعٍ ، وَمِنْهُمْ عَلى خَمْسٍ، وَمِنْهُمْ عَلى سِتٍّ، وَمِنْهُمْ عَلى سَبْعٍ؛ فَلَوْ ذَهَبْتَ تَحْمِلُ عَلى صَاحِبِ الْوَاحِدَةِ ثِنْتَيْنِ، لَمْ يَقْوَ ؛ وَعَلى صَاحِبِ الثِّنْتَيْنِ ثَلَاثاً ، لَمْ يَقْوَ؛ وَعَلى صَاحِبِ الثَّلَاثِ أَرْبَعاً، لَمْ يَقْوَ ؛ وَعَلى صَاحِبِ الْأَرْبَعِ خَمْساً، لَمْ يَقْوَ ؛ وَعَلى صَاحِبِ الْخَمْسِ سِتّاً، لَمْ يَقْوَ؛ وَعَلى صَاحِبِ السِّتِّ سَبْعاً، لَمْ يَقْوَ؛ وَعَلى هذِهِ الدَّرَجَات).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دليل استمرار الإمامة من القرآن الكريم
السؤال: ما هو دليل استمرار الإمامة وعدم انقطاعها في القران الكريم؟
الجواب: يمكن الاستدلال على استمرار الامامة من خلال الآيات القرآنية الكريمة المتعددة، نذكر في المقام هذه الآية:-
قال الله (سبحانه): (وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعلَمُ مَا لاَ تَعلَمُونَ) البقرة:30.
أشارت هذه الآية المباركة إلى:
أوّلاً: أنّ هذا الخليفة أرضيٌ، وهو موجود في كلّ زمان، والدال على ذلك قوله: (جَاعِلٌ) لأنّ الجملة الاسمية وكون الخبر على صيغة (فاعل) التي هي بمنزلة الفعل المضارع تفيد الدوام والاستمرار، مضافاً إلى أنّ الجعل في اللغة كما يقول الراغب في (المفردات في غريب القرآن، الراغب: 94 كتاب الجيم، مادّة جعل) له استعمالات متعدّدة، ومنها: (تصيير الشيء على حالة دون حالة)، وهذا ما أكّده جملة من المفسّرين كالرازي في (التفسير الكبير: ج2، ص165، المسألة السادسة)، وعندما يُقارن هذا الجعل بما يناظره من الموارد في القرآن الكريم نجد أنّه يفيد معنى: السُنّة الإلهيّة، كقوله تعالى: (جَعَلَ لَكُم مِمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً) (النحل:81).
ثانياً: إنّ هذا الخليفة ليس هو مطلق الإنسان، فيكون من قبيل قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُم خَلاَئِفَ فِي الأَرضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيهِ كُفرُهُ( (فاطر:39)؛ وإنّما المقصود به إنسان بخصوصه، وذلك بقرينة الآيات اللاحقة التي أثبتت أنّ هذا الموجود الأرضي إنّما استحقّ الخلافة الإلهيّة لأنّه عُلّم الأسماء كلّها مباشرة منه تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسمَاءَ كُلَّهَا...) (البقرة:31)، ثمّ صار واسطة بينه تعالى وبين ملائكته: (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئهُم بِأَسمَائِهِم...) (البقرة:33). ومن الواضح أنّه لا يمكن أن يراد به كلّ إنسان حتّى أُولئك الذين عبّر عنهم القرآن الكريم: (أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ...) (الأعراف:179).
اذن اتضح من كل هذا: أن هذه الآية تدلّ على ضرورة استمرار الخلافة الإلهيّة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دَلِيلُ الحَيَاةِ البَرْزَخِيَّةِ
السؤال: هل من دليل يدل على استمرار حياة الانسان بعد الموت؟ وبعبارة أخرى: ما هو الدليل على الحياة البرزخية من القرآن الكريم؟
الجواب: توجد الكثير من الآيات القرآنية التي تدل على الحياة البرزخية للإنسان منها قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(آل عمران:169).
نَزَلَتْ هذه الآية الشريفة بعد واقعة أحد (تفسير القرطبي: ج4، ص268)، وكان سبب النزول: أنّ المشركين قالوا: إنّ أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) يقتلون أنفسَهم في الحروب بغير سبب، ثم يموتون، ولا حياة لهم بعد ذلك، ويتركون نعيم الدنيا، فَرَدَّ عليهم اللهُ سبحانه (بَلْ أَحْيَاءٌ) أي أنه ليس كما تعتقدون، بل هم يعيشون حياتهم الحقيقية وهي الحياة البرزخية المنعمة بكل أنواع النعم الإلهية، قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى (بَلْ أَحْيَاءٌ): (إنّهم في الوقت أحياءٌ كأن الله أحياهم لإيصال الثواب إليهم، وهذا قول أكثر المفسّرين)(مفاتيح الغيب: ج4، ص146).
ومعنى الآية أنّ هناك حياة برزخية للشهداء ولغيرهم، ولكن الشهداء يَحظونَ بمرتبة أعظم ومكانة اشرف عند الله تعالى يوم القيامة بِدْءً من حياتهم البرزخية، قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: (والمقصود من الحياة في الآية هي الحياة البرزخية في عالم ما بعد الموت، وإن لم تختص الحياة البرزخية بالشهداء، فللكثير من الناس حياة برزخية أيضاً، ولكن حياة الشهداء محفوفة بالنعم والمواهب المعنوية العظيمة)(مختصر الأمثل: ج1، ص342).