حوارية الموت

الولد: راح أبي يسرد تفاصيل عن (الموت والميّت)،فبدأ قلقي يتصاعد شيئاً فشيئاً، وحين لاحظ أبي امارات الخوف على تضاريس وجهي سألني: أأنت خائف؟‏

الولد: وكيف لا أخاف؟!

الأب: أخائف أنت من الموت أم من الميّت؟‏

الولد: من الميّت، فلم أكن قد شاهدت طيلة عمري شخصاً يحتضر أو يموت، ولم أكن أعلم ما ينبغي عليّ أن أفعله بشخص يحتضر أمامي أو يموت‏.

الأب: أتخاف من الميّت أكثر مما تخاف من الموت وما بعد الموت؟‏لماذا لا تكون واقعياً أكثر، فتخاف من الموت أكثر مما تخاف من الميت؟!

الأب: آنَ لكَ وقد تكلفْتَ أنْ تخاف من الموت لهول ما بعد الموت، وليكن الميّت أو المحتضر مذكّراً لك بما سيؤول إليه مصيرك، فإذا صادف أنْ حضرت محتضراً مسلماً فدع مخاوفك جانباً [ووجِّهه إلى القبلة]‏.

الولد: وكيف أوجِّهه؟

الأب: ضعْهُ على قفاه واجعل باطن رجليه إلى القبلة.

الولد: معنى هذا أنْ أمدِّد رجليه باتجاه القبلة.

الأب: بالضبط سواء أكان المحتضر رجلاً أم امرأة، كبيراً أم صغيراً، ويستحب أن تلقّنه الشهادتين، والإقرار بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، وتقرأ عنده سورة (الصافات) ليسهّل عليه النزع، ويكره أنْ يحضر المحتضر مجنب أو حائض، وأن يمس حال النزع.

الولد: وإذا مات الشخص ماذا أفعل؟

الأب: إذا مات يستحب أن تغمض عينيه، وتغلق فمه، وتمد يديه إلى جانبيه، وساقيه، وتغطّيه بثوب، وتقرأ عنده القرآن، وتضيء البيت الذي كان يسكنه، وتخبر المؤمنين بموته ليحضروا جنازته، ويستحب الاسراع في تجهيزه إلَّا أن تشتبه بموته وتشك فيه.

الولد: واذا اشتبهتُ بموته ماذا أفعل؟

الأب: عندئذ يجب تأخيره حتى تتأكّد من موته، فاذا تأكّدتَ وجب تغسيله، رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً.

الولد: والسقط ما هو حكمه؟

الأب: حتى السقط إذا أتمَّ أربعة أشهر [بل وإنْ لم يتمّها إذا كان مستوي الخلقة]، ولكن لا تجب الصلاة عليه ولا تستحب.

الولد: ومن يغسّل الميت؟

الأب: يغسِّل الذكرَ الذكرُ وتغسِّل الأُنثى الأُنثى، إلَّا في الزوج والزوجة فيجوز لكل منهما تغسيل الآخر، وكذا الصبي المميّز سواء الذكر والأُنثى فإنَّهُ يجوز تغسيله للذكر والأُنثى، وهكذا المحرم فإنّهُ يجوز له أنْ يغسل محرمه غير المماثل له [فيما إذا لم يوجد المماثل].

الولد: وكيف يُغسّل الميت؟

الأب: يغسّل ثلاثة أغسال: الأوّل بماء السدر، والثاني بماء الكافور، والثالث بالماء الخالص، [على أنْ يكون الغسل ترتيبياً] بأنْ تغسل الرأس والرقبة أوّلاً، ثمّ الجانب الأيمن، ثمّ الجانب الأيسر، وأنْ يكون الماء المستعمل في الغسل طاهراً غير نجس، ومباحاً غير مغصوب، ومطلقاً غير مضاف، وأن يكون السدر والكافور مباحين أيضاً.

الولد: وهل تُخلع ملابس الميت أثناء الغسل؟

الأب: يجوز تغسيله بملابسه ولعله أفضل مما لو كان مجرّداً منها.

الولد: وكيف يكون الماء مطلقاً وتجب إضافة السدر أو الكافور إليه؟! ألَا يتحول إلى ماء مضاف؟!!

الأب: يضاف إليه من السدر والكافور بمقدار لا يحوله إلى ماء مضاف.

الولد: واذا تنجّس جسد الميّت بنجاسة خارجية أو بنجاسة من الميّت أثناء الغسل ماذا نصنع؟

الأب: وجب تطهير ما تنجّس منه، ولا تجب إعادة الغسل.

الولد: وبعد الانتهاء من تغسيل الميت ماذا نفعل؟

الأب: يجب تحنيطه وتكفينه.

الولد: ما هو التحنيط؟

الأب: إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق المحتفظ برائحته، والمباح غير المغصوب، والطاهر غير النجس [وإن لم يوجب تنجّس بدن الميت]، ويفضّل أنْ يتم التحنيط بالمسح بالكف ابتداءً من الجبهة.

الولد: وبقية مواضع السجود الأخرى؟

الأب: لا ترتيب بينها.

الولد: وكيف يكفّن الميت؟

الأب: يجب تكفين الميت بقطع ثلاث:

1 ـ المئزر [ويجب أنْ يستر ما بين السرّة والركبة].

2 ـ القميص [ويجب أنْ يستر المسافة ما بين الكتفين إلى نصف الساق].

 3 ـ الإزار: ويجب أنْ يغطِّي جميع الجسد [على أنْ يكون طولاً بحيث يمكن أنْ يشدّ طرفاه العلوي والسفلي]، وعرضاً [بحيث يقع أحد جانبيه على الآخر].

الولد: وهل هناك شروط أخرى لهذه القطع الثلاث - المئزر، القميص، الإزار -؟

الأب: نعم يشترط أنْ يكون بمجموعها ساترة لبدن الميت، وأنْ لا تكون مغصوبة، ولا من الحرير الخالص، [ولا من المذهّب، ولا من أجزاء الحيوان الذي لا يؤكل لحمه]، ولا نجساً إلَّا في حالة الاضطرار فيجوز التكفين بغير المغصوب من المذكورات حينئذٍ.

الولد: وإذا تعذرت القطع الثلاث ماذا نفعل؟

الأب: يكفن الميت بما يتيسر منها.

الولد: وماذا بعد تغسيل الميت وتحنيطه وتكفينه؟

الأب: تجب الصلاة عليه وإنْ كان طفلاً قد عقل الصلاة كأن يكون ابن ست سنوات.

الولد: كيف يُصلّى على الميت؟

الأب: الصلاة على الميت تختلف عن الصلاة اليومية، فهي خمس تكبيرات لا قراءة سورة فيها ولا ركوع، ولا سجود، ولا تشهد، ولا تسليم، بل يدعو المصليّ للميّت عقيب إحدى التكبيرات الأربع الأُول، وأمّا في البقيّة فيتخيّر بين الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) والدّعاء للمؤمنين وتمجيد الله تعالى.

الولد:  اذكر لي صورة موجزة لها.

الأب: يُكبِّر التكبيرة الأولى ويتشهَّد الشهادتين، ثم يُكبِّر التكبيرة الثانية ويُصلّي على النبي محمّد(ص)وآله (عليهم السلام)، ثم يكبِّر التكبيرة الثالثة ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ثم يكبِّر التكبيرة الرابعة ويدعو للميّت، ثمّ يكبِّر التكبيرة الخامسة وينصرف.

الولد: هل هناك أمور واجبة في الصلاة على الميت؟

الأب: نعم، يجب فيها أمور:

1- النيّة مع تعيين الميّت بنحو يرفع الابهام.

2 ـ القيام، مع القدرة عَليه.

3 ـ أنْ تكون بعد غسل الميّت وتحنيطه وتكفينه.

4 ـ أنْ يستقبل المصلّي القبلة في حال الاختيار.

5 ـ أنْ يكون الميّت أمام المصلِّي.

6 ـ أنْ يكون رأس الميّت على يمين المصلي ورجلاه إلى يساره.

‏ 7 ـ أنْ يُوضع الميّت على ظهره عند الصلاة عليه.

8 ـ أن لا يكون حائل بين الميّت والمصلي كالستر والجدار، ولا يضرّ الستر بمثل النعش أو الميت الآخر.

الأب: ومن الواجبات في الصلاة على الميت بالإضافة إلى ما تقدم:

‏ 9 ـ أنْ لا يفصل بين الميت والمُصلي بُعْدٌ مفرط، وأن لا يعلو أحدهما على الآخر علوّاً مفرطاً، ولا يضرّ الفصل مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة أو مع تعدّد الجنائز إذا صلّى عليها دفعة واحدة.

10ـ أنْ يأذنَ وليُّ الميت كأبيه أو ابنه مثلاً للمصلي بأداء الصلاة.

‏11 ـ أنْ يوالي المصلّي بين التكبيرات والأدعية والأذكار.

الولد: لماذا لم تذكر شرط طهارة المصليّ كأن يكون على وضوء أو غسل أو تيمّم؟

الأب: لأنّها غير واجبة في هذه الصلاة.

الولد: إذا انتهتْ الصلاة على الميت فماذا يجب بعد؟

الأب: يجب دفن الميّت ويكفي فيه مواراته في الأرض مع تحقّق أمرين: الأول: حفظه من الحيوانات المفترسة مع احتمال وجودها في المكان، والثاني: اخفاء رائحته من النّاس مع احتمال وجود من يتأذى بها في المكان،‏ويوضع على جانبه الأيمن في قبره مع توجيه وجهه إلى القبلة.

الولد: وهل توجد شروط لمكان الدفن؟

الأب: نعم، وهي:

1 ـ أن يكون المكان مباحاً غير مغصوب، وغير موقوف لجهة خاصّة كالمدارس والحسينيّات وأمثالها مع الاضرار بالعين الموقوفة أو المزاحمة لجهة الوقف،[بل وإنْ لم يكن مضراً أو مزاحماً].

2 ـ ألَّا يستلزم هتك حرمة الميّت المسلم بالدفن فيه كالمواضع القذرة والمزابل.

3 ـ أن لا يُدفن في مقابر الكفار.

الولد: ماذا يستحب بعد الدفن؟

الأب: روي عن النّبي الأكرم(ص) أنّه قال: لا يأتي على الميّت أشدّ من أول ليلة، فارحموا موتاكم بالصدقة، فإنْ لم تجدوا فليصلِّ أحدكم ركعتين له، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات، يقول بعد السلام: «اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد وابعث ثوابها إلى قبر فلان» ويسمّي الميّت.

الولد: ذكرت لي في حوارية سابقة غسلاً أسميته غسل مسِّ الميت.

الأب: نعم، يجب الغُسل على من مسَّ بدن الميت بعد أن يبرد وقبل إتمام تغسيله مسلماً كان الميّت أو كافراً.

الولد: ‏مع وجود البلل؟

الأب: معه وبدونه، سواء أكان مسَّ الميّت اضطراريّاً أم اختيارياً.

الولد: وماذا يترتّب على منْ مسَّ الميّت؟

الأب: يترتب عليه:

1ـ وجوب الغُسل لما يشترط في صحّته الطهارة كالصلاة، فإذا أراد أن يصلّي يجب عليه أن يغتسل أوّلاً.

2ـ حرمة مسِّ كتابة القرآن الكريم، وكلّ ما حرم على المحدث مسُّه.