الولد: قلت لي أمس إنَّ الأشياء الطاهرة تفقد طهارتها لو لاقت النجاسة، تُرى كيف ستستعيد تلك الأشياء طهارتها المفقودة؟
الأب: أكثر ما يعيد للأشياء المتنجّسة طهارتها السابقة المسلوبة (الماء)وهو أن تغسل به، لذلك فسنبدأ بـ (المطهر الأول).
المطهّر الأول: الماء وهو مطلق ومضاف.
الولد: وما هو الماء المطلق؟
الأب: الماء المطلق هو ذلك الّذي نشربه نحن، وتشربه الحيوانات ويسقى به الزرع مثل ماء المحيطات والبحار والأنهار والآبار والجداول والأمطار، وماء الأنابيب الّذي يصلنا عبر خزانات المياه المنتشرة في المدن والقرى والنواحي، ويبقى الماء مطلقاً حتى لو اختلط مع قليل من الطين أو الرمل كمياه الشطوط والأنهار.
الولد: وما هو الماء المضاف؟
الأب: الماء المضاف تعرفه بسهولة من إضافة لفظ آخر إلى الماء كلّما نطقت به، فتقول: ماء الورد، ماء الرمان، ماء العنب، ماء الجزر، ماء البطيخ، وماء مساحيق الغسيل، وهو كما تلاحظ من الأمثلة ليس مما يعنينا أمره هنا، فنحن نتحدّث عن الماء الذي نطهر به ونشربه، فلا نتحدث عن ماء الرمان وماء العنب مثلاً.
ثم إنَّ الماء أو الماء المطلق على قسمين: معتصم وغير معتصم.
الولد: وماذا تعني بالماء المعتصم؟
الأب: الماء المعتصم هو الماء الذي لا يتنجّس بملاقاة النجاسة إلَّا إذا تأثّر بها لونه أو طعمه أو رائحته، والماء غير المعتصم هو الماء الذي يتنجّس بمجرد ملاقاته للنجاسة وإنْ لم تتأثر بها إحدى صفاته الثلاث.
الولد: وما هي المياه المعتصمة؟
الأب: هي:
1 ـ الماء الكثير: وهو ما بلغ قدر الكُر أي ما كان مكعّبه 36 شبراً، كماء الإسالة (الصنبور) ذاك الّذي يصل إلى بيوتنا من خزّانات المياه الكبيرة المنتشرة في المدن أو من محطّات ضخّ المياه، وماء خزاناتنا الموضوعة على سطوح منازلنا إذا كانت بحجم الكرّ، وماء خزاناتنا الصغيرة إذا اتّصل بها ماء الإسالة (الصنبور) ما لم ينقطع.
2 ـ ماء البئر.
3 ـ الماء الجاري: كمياه الأنهار والروافد والجداول والعيون.
4 ـ ماء المطر أثناء هطوله.
الولد: وما هي المياه غير المعتصمة؟
الأب: هي مياه الأحواض الصّغيرة والأواني والقناني والكؤوس ونحوها من المياه الراكدة غير ماء البئر التي يقل مقدارها عن الكرّ ويصطلح عليه بـ (الماء القليل) وقد عرفت أنّها تتنجّس بمجرد ملاقاتها للنجاسة.
الولد: والماء المضاف ما هو حكمه؟
الأب: حكمه حكم الماء القليل يتنجّس بملاقاته للنّجاسة سواء أكانت كمّيته كبيرة أم قليلة كالشاي مثلاً، وتلحق بالماء المضاف السوائل الأخرى كالحليب والنفط ومحاليل الأدوية وغيرها، وأنّها تتنجّس بمجرد ملاقاتها للنّجاسة.
ثم أضاف أبي قائلاً: كل ماء قليل اتصل به الماء الكثير صار كثيراً فيكون معتصماً ما لم ينقطع عنه، فخزّان الماء الصغير إذا جرى عليه أُنبوب الإسالة صار كثيراً، وماء القدر الموضوع في المغسلة إذا فتحت عليه أُنبوب الماء المتّصل بالكُرّ، فاتصل ماء القدر بماء الأنبوب صار ماء القدر كثيراً، كل ذلك مادام الاتصال موجوداً وهكذا.
الولد: ماذا لو وقعت قطرات من الدم في خزان ماء راكد بحجم كرّ؟
الأب: لا يتنجّس إلَّا إذا كثرت القطرات فتغيّر لون ماء الكرّ فاصفرّ بتأثير لون الدم.
الولد: ولو وقعت في إناء صغير؟
الأب: لنجَّست الإناء.
الولد: ولو فتحنا على الإناء ماء الإسالة فعاد الماء إلى صفائه؟
الأب: لطهر ماء الإناء [ولكنه يعود فيتنجس مرّة أخرى إذا انقطع عنه ماء الإسالة لما سيمرّ عليك من أنَّ الإناء إذا تنجس لم يطهر إلَّا بغسله ثلاث مرات].
الولد: لو صببنا من ماء الإبريق على شيء نجس، فهل يتنجّس ماء الإبريق؟
الأب: كلا، لأنَّ النجاسة لا تتسلّق إلى عمود الماء الساقط من الإبريق، فلا عمود الماء يتنجّس ولا ماء الإبريق.
الولد: وكيف يطهّر ماء المطر الأشياء؟
الأب: إذا تقاطر عليها، سواء أكان المتنجّس أرضاً، أم ثياباً وأفرشة بعد أن ينفذ منها، أم إناءً، أم ما شاكل ذلك وشابهه بشرط أن يصدق عرفاً على النازل أنه مطر، لا أن يكون مجموع ما نزل من السماء قطرات قليلة لا يصدق عليها المطر.
الولد: وهل يكفي في طهارة الأشياء تقاطر المطر عليها مرة واحدة؟
الأب: نعم يكفي إلَّا في البدن والثوب المتنجّس بالبول فإنّه يلزم فيهما التعدد [وكذا في الإناء].
الولد: وهل يطهّر المطر الماء المتنجّس؟
الأب: نعم إذا امتزج معه.
الولد: وكيف نطهّر بالماء القليل أو الكثير الأشياء المتنجّسة؟
الأب: نطهّر كل شيء متنجّس بغسله بالماء قليلاً كان أو كثيراً مرة واحدة، ولكن يلزم في الغَسل بالماء القليل أنْ ينفصلَ ماء التطهير عن الشيء المتنجّس.
الولد: وهل الأشياء المتنجّسة كلّها تطهر على هذا النحو؟
الأب: نعم عدا ما يأتي:
(1) ـ الأواني المتنجّسة بالخمر كالقناني والكؤوس وغيرها نغسلها بالماء ثلاث مرّات.
(2) ـ الأواني إذا مات فيها الجرذ، أو ولغَ فيها الخنزير فإنّنا نغسلها سبع مرّات.
(3) ـ الأشياء المتنجّسة ببول الصبي الرضيع الذي لم يتغذ بعد بالطعام وكذلك الصبيّة، فإنّنا نصبُّ الماء عليها بمقدار ما يحيط بها، ولا حاجة إلى أكثر من ذلك، فلا حاجة إلى العصر إذا كان المتنجّس ثوباً أو نحوه.
(4) ـ الأواني اذا ولغ فيها الكلب أو لطعها بلسانه تُمسح بالتراب أولاً، ثم تغسل بالماء مرّتين، وإنْ وقع فيها لعاب فمه أو باشرَهَا بسائر أعضائه [لزم مسحها بالتراب أولاً، ثم غسْلها بالماء ثلاث مرّات].
الولد: وما ولوغ الكلب؟
الأب: شربه ما في الإناء بأطراف لسانه.
(5) ـ الملابس المتنجّسة بالبول، نغسلها بالماء الجاري مرّةً واحدة أو نغسلها بماء الكر أو ماء الحنفيّات مرّتين أو نغسلها بالماء القليل مرّتين أيضاً ونعصرها، أما الملابس المتنجّسة بغير البول فنغسلها مرة واحدة بالماء القليل ونعصرها أو نغسلها بالماء الكثير من دون حاجةٍ إلى العصر.
(6) ـ البدن المتنجّس بالبول نغسله كما في الفقرة المتقدّمة، وإذا كان الغسل بالماء القليل لزم انفصال ماء التطهير عن البدن على النحو المتعارف.
(7) ـ باطن الإناء، إذا تنجّس بغير الخمر، أو ولوغ الكلب أو لطعه أو وقوع لعابه أو مباشرته بسائر أعضائه أو موت الجرذ، أو ولوغ الخنزير، فإنّنا نطهّره بغسله بالماء القليل ثلاث مرّات أو بالماء الكثير أو الجاري أو المطر [ثلاث مرّات أيضاً].
الولد: وظاهر الإناء كيف يطهر؟
الأب: يطهر بغسله مرةً واحدة، حتّى بالماء القليل.
الولد: وكيف أُطهّر كفّي المتنجّسة وعندي ماء قليل؟
الأب: إذا لم تكن متنجسة بالبول فصبّ عليها الماء مرة واحدة، فإن انفصل ماء التطهير عن كفّك فقد طهر كفك.
المطهر الثاني: الشمس.
وماذا تطهّر الشمس؟
الأب: تطهّر الأرض وما يستقرّ عليها من الأبنية والحيطان، ويلحق بها في ذلك الحصر والبواري عدا ما تشتمل عليه من الخيوط [ولا تلحق بها الأبواب، والأخشاب، والأوتاد، والأشجار وأوراقها، والنباتات، والثّمار قبل قطافها وغير ذلك من الأشياء الثّابتة على الأرض].
الولد: كيف تطهّر الشمسُ الأرضَ والبناءَ؟
الأب: بشروقها عليها حتّى تجف بتأثير أشعّتها مع زوال عين النجاسة عنها.
الولد: وإذا كانت الأرض النجسة جافة، وأردنا تطهيرها بالشمس؟
الأب: صببنا عليها الماء حتى إذا جفَّفَتْها الشمس طهرت.
الولد: وإذا تنجّستْ الأرض بالبول وأشرقت عليها الشمس فجفتْ؟
الأب: طهرت الأرض إذا لم يبق عليها جرم البول.
الولد: والحصى والتراب، والطين، والأحجار المعدودة جزء من الأرض إذا تنجّست بالبول فجفّفتها الشمس؟
الأب: طهرت كذلك.
الولد: والمسمار النابت في الأرض، أو في البناء؟
الأب: [ليس حكمه حكم الأرض، فلا يطهر بالشمس].
المطهّر الثالث: زوال عين النجاسة عن بواطن الإنسان غير المحضة وعن جسد الحيوان.
الولد: إضرب لي مثلاً على ذلك.
الأب: زوال الدم عن باطن الفم، أو باطن الأنف، أو باطن الأُذن، زوال لعين النجاسة.
فبمجرّد أنْ يزول الدّم يطهر الفم، والأنف، والأُذن والعين وهكذا من دون حاجة إلى تطهيرها بالماء.
الولد: وجسد الحيوان؟
الأب: كذلك جسد الحيوان، فبمجرّد أن يزول الدم عن منقار الدجاجة يطهر منقارها، وبمجرّد أن يزول الدّم عن فم القطّة يطهر فمها، وهكذا.
الولد: وهل تتنجّس الإبرة ـ إبرة الدواء ـ إذا زرقت داخل جسم الإنسان أو الحيوان، فلاقت الدم داخل الجسم؟
الأب: كلا، لا تتنجّس إذا خرجت الإبرة من داخل الجسم وهي غير ملوّثة بالدم فملاقاة النجس داخل الجسم لا تحقّق النجاسة.
المطهّر الرابع: الأرض، كل ما يسمّى أرضاً مطهرة كالحجر، والرمل والتراب وما فرش بالطابوق أو الاسمنت لا بالقير ونحوه ويشترط في الأرض أن تكون [يابسة] وطاهرة.
الولد: وكيف أعرف أنها طاهرة؟
الأب: ما دمت لا تعرف أنّها قد تنجّست فهي طاهرة، ومن ثمَّ فهي مطهرة.
الولد: وماذا تطهّر الأرض؟
الأب: تطهّر باطن القدم، والحذاء، بالمشي عليها أو المسح بها بشرط أن تزول عن القدم والحذاء بسبب المشي أو المسح النجاسةُ العالقة بهما، هذا إذا كانت النجاسة قد حصلت من الأرض النجسة سواء بالمشي عليها أم بغيره، [وأمّا إذا كانت قد حصلت من غيرها فلا تكون الأرض مطهرة له حينئذ].
المطهّر الخامس: الإسلام.
الولد: وكيف يطهر الإسلام؟ ومن يطهر؟
الأب: يطهّر الإسلام الكافر المحكوم بالنجاسة بعد أن يُسلم، فيطهر هو ويطهر تبعاً له شَعره، وأظافره، وغير ذلك من أجزاء جسده التي كانت نجسة حين كفره.
المطهّر السادس: التبعيّة.
الولد: إضرب لي مثلاً على التبعيّة.
الأب: الكافر المحكوم بالنجاسة مثلاً إذا أسلم طهر، وطهر (تبعاً له) طفله الصغير الذي كان نجساً تبعاً لأبيه، والجد الكافر، والجدة، والأم،إذا أسلموا طهروا، وطهر (تبعاً لهم) طفلهم الصغير الذي كان نجساً تبعاً لنجاستهم، كل ذلك فيما إذا كان الصغير مع من أسلم بأنْ يكون تحت كفالته ورعايته، ولا يكون معه كافر أقرب منه إليه.
والخمر إذا انقلب خلّاًَ طهر، وطهر (تبعاً له)إناؤه الموضوع فيه.
والميّت إذا غسّل الأغسال الثلاثة طهر، وطهرت (تبعاً له) يد الغاسل، والسدة التي غسل عليها، وثيابه التي غسل فيها.
والثوب المتنجّس إذا غسلته بالماء القليل ـ مثلاً ـ طهر، وطهرتْ(تبعاً له) اليد التي غسلته.
المطهّر السابع: غَيبة المسلم البالغ أو الصبي المميز.
الولد: وما غيبة المسلم؟
الأب: أن تفارقك صورته، فلم تعد تراه عينُك.
الولد: وإذا غاب؟
الأب: إذا غاب طهر، وطهرتْ معه أشياؤه وأدواته التي في حيازته كثيابه، وفراشه، وأوانيه وأمتعته، وغيرها إذا احتملت تطهيره لها.
الولد: إضرب لي مثلاً على ذلك.
الأب: ثوب أخيك مثلاً كان نجساً وهو يعلم بذلك أو لا يعلم، ولكنك أنت تعلم بذلك سواء أكان ملتزماً بأحكامه الشرعيّة أو غير ملتزم بها، ثم غاب عنك أخوك، وعاد ثانية واحتملتَ أنه طهر ثوبه عندئذ تقول: ثوب أخي طاهر، تقول ذلك دون حاجة إلى سؤاله.
المطهّر الثامن: الانتقال.
الولد: مثلاً؟
الأب: دم الإنسان ـ مثلاً ـ ذاك الذي يتغذّى عليه البق والبرغوث والقمّل من الحشرات التي لا دم لها عرفاً، إذا شربه الحيوان فاستقرّ في جوفه، ثم قتلت الحيوان، فصبغ ذلك الدم جسدك أو ثيابك، فهو دم طاهر.
المطهّر التاسع: الاستحالة.
الولد: وما الاستحالة؟
الأب: الاستحالة: تبدل شيء إلى شيء آخر مختلف عنه، وتحوله إليه لا مجرد تبدّل اسمه أو صفته أو تفرّق أجزائه.
الولد: إضرب لي مثلاً على ذلك؟
الأب: الخشب المتنجس ـ مثلاً ـ إذا احترق وصار رماداً، فالرماد طاهر، ومخلّفات الحيوان إذا استعملت وقوداً للنار، فرمادها في التنور طاهر، وهكذا..
المطهّر العاشر: خروج الدم بالمقدار الطبيعي من الحيوان المذكّى بطريقة شرعية عندئذٍ سنحكم بطهارة الدم الباقي داخله.
المطهّر الحادي عشر: انقلاب الخمر خلَّاً، ذلك أنّ الخل أثناء تكوّنه يتخَمّر في مرحلة ما أحياناً فيتنجّس ثم ينقلب بعد ذلك إلى خلّ فيطهر.
المطهّر الثاني عشر: استبراء الحيوان الجلاّل،فإنَّ الحيوان المأكول اللحم إذا تعوّد أكل عذرة الإنسان حرم أكل لحمه وشرب لبنه، وأصبح بوله ومدفوعه (خروجه) وعرق جسمه نجساً.
الولد: كيف يتمّ استبراء الحيوان الجلّال؟
الأب: يتمّ ذلك بمنعه عن أكل النجاسة لمدة لا يسمى بعد مضيِّها حيواناً جلالاً، بل يصبح حيواناً عاديّاً.
الولد: وعندئذ؟
الأب: عندئذٍ بعد استبرائه نحكم بطهارة لحمه ولبنه وكل ما تقدّم.