وبعد فإنه ينبغي أن يلتفت المؤمنون الذين وفقهم الله لهذه الزيارة الشريفة انّ الله سبحانه وتعالى جعل من عباده أنبياء وأوصياء ليكونوا أسوة وقدوة للناس وحجّة عليهم فيهتدوا بتعاليمهم ويقتدوا بأفعالهم.
وقد رغّب الله تعالى إلى زيارة مشاهدهم تخليداً لذكرهم وإعلاء لشانهم وليكون ذلك تذكرة للناس بالله تعالى وتعاليمه وأحكامه، حيث إنهم كانوا المثل الأعلى في طاعته سبحانه والجهاد في سبيله والتضحية لأجل دينه القويم
وعليه فإنّ من مقتضيات هذه الزيارة :- مضافاً إلى استذكار تضحيات الإمام الحسيـن (عليه السلام) في سبيل الله تعالى - هو الاهتمام بمراعاة تعاليم الدين الحنيف من الصلاة والحجاب والإصلاح والعفو والحلم والأدب وحرمات الطريق وسائر المعاني الفاضلة لتكون هذه الزيارة بفضل الله تعالى خطوة في سبيل تربية النفس على هذه المعاني تستمر آثارها حتى الزيارات اللاحقة وما بعدها فيكون الحضور فيها بمثابة الحضور في مجالس التعليم والتربية على الإمام (عليه السلام).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إننا وإن لم ندرك محضر الأئمة من أهل البيت لنتعلم منهم ونتربى على أيديهم إلّا أنّ الله تعالى حفظ لنا تعاليمهم ومواقفهم ورغّبنا إلى زيارة مشاهدهم ليكونوا أمثالاً شاخصة لنا واختبـر بذلك مدى صدقنا فيما نرجوه من الحضور معهم والاستجابة لتعاليمهم ومواعظهم، كما اختبر الذين عاشوا معهم وحضروا عندهم ،فلنحذر عن أن يكون رجاؤنا أمنية غيـر صادقة في حقيقتها، ولنعلم أننا إذا كنّا كما أرادوه (عليهم السلام) يرجى أن نحشر مع الذين شهدوا معهم، فقد ورد عن أميـر المؤمنيـن (عليه السلام) أنّه قال في حرب الجمل: أنه (قد حضرنا قوم لم يزالوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء)، فمن صدق في رجائه منا لم يصعب عليه العمل بتعاليمهم والاقتداء بـهم، فتـزكّى بتزكيتهم وتأدب بآدابـهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله الله في الصلاة فإنها ـــ كما جاء في الحديث الشريف ـــ عمود الدين ومعراج المؤمنيـن إن قُبِلت قُبِلَ ما سواها وإن رُدّت رُدَّ ما سواها، وينبغـي الالتـزام بها في أول وقتها فإنّ أحبّ عباد الله تعالى إليه أسرعُهم استجابة للنداء إليها، ولا ينبغي أن يتشاغل المؤمن عنها في اول وقتها بطاعةٍ أخرى فإنها أفضل الطاعات، وقد ورد عنهم (عليهم السلام): (لا تنال شفاعتنا مستخفّاً بالصلاة).
وقد جاء عن الإمام الحسين (عليه السلام) شدّة عنايته بالصلاة في يوم عاشوراء حتـى إنّه قال لمن ذكرها في أول وقتها: (ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّيـن الذاكرين) فصلّى في ساحة القتال مع شدّة الرمي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله الله في الإخلاص فإنّ قيمة عمل الإنسان وبركته بمقدار إخلاصه لله تعالى، فإنّ الله لا يتقبّل إلّا ما خلص له وسلم عن طلب غيـره. وقد ورد عن النبـي (صلى الله عليه وآله) في هجرة المسلمين إلى المدينة أنّ من هاجر إلى الله ورسوله فهجرته إليه ومن هاجر إلى دنيا يصيبها كانت هجرته إليها، وان الله ليضاعف في ثواب العمل بحسب درجة الإخلاص فيه حتّـى يبلغ سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء. فعلى الزوار الإكثار من ذكر الله في مسيرتهم وتحرّي الإخلاص في كل خطوة وعمل، وليعلموا ان الله تعالى لم يمنَّ على عباده بنعمة مثل الإخلاص له في الاعتقاد والقول والعمل، وان العمل من غيـر إخلاص لينقضـي بانقضاء هذه الحياة وأمّا العمل الخالص لله تعالى فيكون مخلّداً مباركاً في هذه الحياة وما بعدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله الله في الستر والحجاب فإنّه من أهمّ ما اعتنى به أهل البيت (عليهم السلام) حتـّى في أشدّ الظروف قساوة في يوم كربلاء فكانوا المثل الأعلى في ذلك، ولم يتأذّوا (عليهم السلام) بشـيء من فعال أعدائهم بمثل ما تأذّوا به من هتك حُرَمهم بيـن الناس، فعلى الزوار جميعاً ولا سيّما المؤمنات مراعاة مقتضيات العفاف في تصرفاتهم وملابسهم ومظاهرهم والتجنب عن أي شـيء يخدش ذلك من قبيل الألبسة الضيّقة والاختلاطات المذمومة والزينة المنهـىّ عنها، بل ينبغـي مراعاة أقصـى المراتب الميسورة في كل ذلك تنزيهاً لهذه الشعيرة المقدّسة عن الشوائب غيـر اللائقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نسأل الله تعالى أن يبارك لزوار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) زيارتهم ويتقبلها بأفضل ما يتقبل به عمل عباده الصالحيـن حتـّى يكونوا في سيرهم وسيرتهم في زيارتهم هذه وما بقي من حياتهم مثلاً لغيرهم وأن يجزيهم عن أهل بيت نبيّهم ( عليهم السلام ) خيـراً لولائهم لهم واقتدائهم بسيرتهم وتبليغ رسالتهم عسـى أن يُدعَوا بهم ( عليهم السلام ) في يوم القيامة حيث يدعى كل أناس بإمامهم وأن يحشر الشهداء منهم في هذا السبيل مع الحسين (عليه السلام) وأصحابه بما بذلوه من نفوسهم وتحمّلوه من الظلم والاضطهاد لأجل ولائهم إنّه سميع مجيب.